منذ اسبوع والجميع يتخبط بشدة بين ما يصرح به وما يريد حقا. بين المناداة بإقامة دولة فلسطينية وبين عدم الرغبة للعيش فيها. فقد القى ليبرمان في يدينا جمرة ملتهبة فسارعنا الى القائها نحوه لأننا لم نكن مستعدين لمثل هذه الالعوبة التي باغتنا بها المهاجر المخضرم.
فجأة وبدون مقدمات اعلن ليبرمان انه لن يوافق على حل للنزاع في المنطقة إلا اذا تضمن تبادل مناطق مأهولة بالسكان مع الفلسطينيين. وبما انه يريد المستوطنين ولا يريد العرب، فقد اقترح هذا التبادل، كل دولة تضم ابناءها، فلسطين تمتد لتشمل وادي عارة وبعضا من المثلث، واسرائيل الممتدة اصلا تبقى في الكتل الاستيطانية الكبيرة.
بكلمات أخرى، يتملك الارض التي استوطنها عنوة في الضفة الغربية ثم يعوض الفلسطينيين بأرضهم المسلوبة سابقا بمساحة مماثلة ولكنها مأهولة ليتخلص من قرابة 300 الف مواطن عربي يعيشون هنا كالشوكة في حلقه وامثاله.
هذه المعادلة لا تختلف كثيرا عن الطريقة المتعبة لدى اللصوص الصغار، فهو يخطف من يدك هاتفك ويهرب ثم يطلب منك مبلغا مقابل اعادته لك. وهكذا هو حال السرقات الكبرى، اولا يخطفون المثلث في عام 1948 ثم يقايضونه مقابل ارض فلسطينية أخرى.
علينا قبل كل شيء ان نكون على ثقة بأن ما يقترحه ليبرمان لن يمر وهو ليس سوى فكرة قديمة لم تلق رواجا ولا استحسانا سواء في واشنطن او في الجانب الفلسطيني. الفارق الوحيد هو انها كانت تعرض في الماضي بتكتم تام، والآن وبما ان العنصرية اصبحت موضة في هذه البلاد، صار حتى وزير الخارجية يتشدق بها علنا.
ولكي تتضح الصورة للجميع ومن اجل الابتعاد عن التخبط الذي دفع ليبرمان الى التهكم بقوله ان اهالي المثلث اصبحوا الآن يحلفون بحياة هرتسل ويطربون لنشيد “هتكفا”، منعا لهذا من الضروري علينا ان نعلم ان هذا المقترح ليس سوى فقاعة جديدة بلغت مقصدها وهو دفعنا الى مثل رد الفعل الذي لوحظ لدى البعض.
لكي تتم الموافقة على تمرير هذا المقترح، ينبغي توفر ثلاثة عوامل بدونها لن تتم “الصفقة”. اولها موافقة اهل الشأن، وهم اهالي المنطقة التي سيتم نقلها، تماما كما يتطلب ذلك القانون الدولي وكما تم تطبيقه في جنوب السودان. ثانيها يتطلب الامر موافقة الطرف الآخر الذي ستنتقل الى نفوذه هذه البلدات، أي الجانب الفلسطيني. وثالثها على اسرائيل تعويض السكان الذين ستنقل بلداتهم، وهذا يعني مبالغ طائلة.
ولكن الفكرة لا تزال في شرنقتها ولم تطرح رسميا اطلاقا ولا حتى على الوسيط الامريكي لان اصحابها يدركون تماما مدى استحالة تطبيقها. ولذا فإن طرحها ليس سوى مناورة اراد بها ليبرمان تحريك اليمين المتطرف واستقطابه من جديد بعد تسلمه مجددا لحقيبة الخارجية، وليس من باب الصدفة ان نرى تشابها كبيرا بين مناورة ليبرمان الحالية ومناورة شارون وجولته في باحة الاقصى في عام 2000.
فبالرغم من ان جولة شارون في باحة الاقصى كلفت اسرائيل اندلاع انتفاضة جديدة، إلا انها اوصلته الى سدة الحكم. هذا ما يرمي اليه ليبرمان بهذا التحرش السياسي. فهو يرى نفسه خليفة نتنياهو القادم وما من سبيل الى ذاك الكرسي إلا ويمر عبر استفزاز العرب واستنفار اليمين على حسابهم ليستعيد قوته السابقة قبل ظهور نفتالي بينيت ويائير لبيد.
حاليا تمكن ليبرمان من تحقيق شيء واحد فقط. فقد جس نبض المواطنين العرب فوجدهم مذهولين من فكرته، لدرجة ان بعضهم راح يعترف بالحب غير المشروط لإسرائيل وحكومتها، ولن استغرب هرولة البعض قريبا الى التجنيد في صفوف الجيش الاسرائيلي كرد فعل استباقي يقيهم شر الفكرة اللعينة.
المطلوب الآن هو ترتيب الصفوف والشروع بتحرك جريء تبادر اليه القيادة العربية سواء نواب البرلمان العرب ومن يشاطرهم الموقف او لجنة المتابعة وحتى رؤساء السلطات المحلية العربية بلا استثناء، وفضح هذه النوايا المبيتة في المحافل الدولية وحشده ضد فكرة التطهير العرقي المعلنة بصلافة.
مثلما لاقى مشروع “برافر” استنكارا دوليا دفع الحكومة الاسرائيلية الى التراجع عن صيغته المطروحة، فإن حراكا مماثلا على الساحة الدولية سيخلق رادعا امام الوزير القادم الذي قد تسول له كأسه بمثل هذه الافكار!!!
مع تحيات: اخوكم ابو الزوز
الطيبة – 10.01.2014