في ذكرى ميلاد الرسول الأعظم، بقلم الدكتور: سائد عبدالله حاج يحيى – الطيبة.
تطل على العرب والمسلمين والعالم كله ذكرى مولد الرسول العظيم محمد صلى الله عليه وسلم وهم في أشد الحاجة إلى دروس هذه الذكرى وما فيها من عبر بالغات.
فضل الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم على العرب والعالم:
إن أحداً لا يعرف فضل الرسول العظيم على العرب والعالم إلا إذا عاش بعقله ونفسه في تلك الحقبة التي ولد وبعث فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحاط بما كان عليه الناس من عقائد ، والشعوب من أوضاع ، والعرب خاصَّة من عادات وتقاليد، ثم عاش مرة أخرى بعقله وروحه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شمائله وأخلاقه، وشخصيَّته وروحانيَّته، ومع شريعته في قرآنها وسنتها، يبحث بحث المحب المخلص في أسس هذه الشريعة وعقائدها وفلسفتها ونظمها وآدابها، وبذلك فحسب يتجلَّى له فضل الرسول وخلوده وجدارته التي هيأه الله بها لتكون نبوته خاتمة النبوات، وتكون شريعته خاتمة الشرائع، ويكون هو شخصه خاتم رسل الله وأنبيائه.
حال جمهور المسلمين من هذه الحقائق:
وجمهور المسلمين اليوم ـ وإن كانوا يحتفلون كل عام بذكرى مولده ـ محجوبون عن التعرف على إلى هذه الحقائق ، بإلفهم لدينهم الذي ولدوا في أجوائه، كما يألف صاحب البيت بيته الذي ولد فيه، وكما تطول صحبة الولد الغافل لأبيه العظيم، مما صرفهم عن إدامة النظر والبحث في أثر الرسالة الإسلامية في تاريخ العالم، وأثر الرسول في تاريخ الحضارات، وأثر دعوة الإسلام في تحرير الإنسان تحريراً لم تدانه دعوة في القديم ، ولم تشابهه دعوة في الحديث ، ولن تلحق به دعوة يقوم بها أي عظيم في التاريخ ، مهما تتجمع له من صفات العبقرية والإلهام، وأسباب الفوز والنجاح.
النجاة من الوثنية المظلمة:
نحن المسلمين مدينون لرسول الله صلى الله عليه وسلم في نجاتنا من الوثنية المظلمة التي لا يزال يعيش فيها آلاف الملايين من البشر، رضوا لأنفسهم أن يتخلفوا بعقولهم عن ركب التفكير العقلي الحضاري، ويعيشوا كما كان يعيش ويفكر الإنسان البدائي قبل عشرات الألوف من السنين.
النجاة من الوحدانية المشوّهة:
ومدينون لرسول الله في نجاتنا من الوحدانيَّة المشوَّهة القلقة التي لا تلتقي مع طمأنينة العقل وسكن الضمير.
النجاة من الجهالة القاتلة:
ومَدينون لرسول الله إذ أنجانا من الجهالة القاتلة ، وجعلنا حملة لواء العلم والمعرفة في العالم عشرة قرون، كانت فيها لغتنا لغة العلم، ومعاهدنا جامعاته، وكتبنا مصادره وموسوعاته.
النجاة من الأمراض الخلقية والنفسية والصحية:
ومدينون لرسول الله في نجاتنا من الأمراض الخلقية والنفسية والصحية التي تفتك بمجتمعات بالغة الذروة في الرقي المادي والتقدم الحضاري ، وقد بدت تفتك بنا مذ جهلنا فضل رسول الله علينا في النجاة من تلك المهلكات.
وحدة اللغة وامتداد الوطن:
ونحن العرب مدينون لرسول الله صلى الله عليه وسلم بوحدة لغتنا التي نتكلم بها ـ مائة مليون من الناس ـ لساناً واحداً وبياناً واحداً.
ومدينون لرسول الله بامتداد وطننا من شواطئ المحيط الأطلسي ، إلى الخليج العربي، إلى جبال طوروس ، وطناً جمع من أسباب القوة والثروة والجمال ما لم يجمعه وطن على ظهر الأرض.
وحدة الأمة:
ومدينون لرسول الله صلى الله عليه وسلم بوحدة أمتنا وحدة كاملة في الهدف والشعور والأمل والألم على تعدد أقطارها وبيئاتها المحلية ، وحدة لم تجتمع لشعب من شعوب الأرض بهذا المظهر الإنساني الرائع.
نحن العرب مدينون لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأننا طرقنا أبواب رومة، واقتربنا من مشارف باريس، وهدَّدنا أسوار فينا، وجعلنا البحر المتوسط بحراً عربياً ، وخَطَطْنا في أسفار الخلود صفحات لأمم سبقتنا في الحضارات، وقدَّمنا إلى الإنسانية من العظماء الخالدين قوافل لا يحصيهم العد، لم تشوِّه عظمتهم الإنسانية الخالدة ما شوَّه عظمة غيرهم من عظماء الأمم : خلقاً أو سيرة أو طغياناً أو إفساداً وتهديماً.
عناصر الانبعاث:
ونحن العرب مدينون في حاضرنا لرسول الله صلوات الله وسلامه عليه، فنهضتنا قد جعل الرسول دعائمها جزءاً من عقيدتنا لا يتم إيمان المؤمن إلا بالعمل لها، ووحدتنا قد ركز مقوِّماتها في مجتمعنا بحيث غدت حلماً لجماهيرنا لا يقف في طريقها إلا الاستعماريون وعملاؤهم، وقوتنا هي ثمرة الجهاد الذي أوجبه علينا، وجعله طريقنا إلى الجنة والخلود، وقيادة الأمم هي رسالتنا التي حمَّلنا أعباءها لنكون الأمناء على الحق والخير في الوجود الإنساني….
هذه هي عناصر انبعاثنا الجديد قد هيَّأها محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم لكلِّ زعيم يحمل اللواء من بعده، فأزاح عن كاهله عبء الدخول معنا في معركة الإقناع بها والتبنِّي لها، من حيث فرغه لعب الدخول في المعركة الحاسمة مع أعدائها من مستعمرين ومغتصبين وطامعين…
نحن العرب والمسلمين مدينون لرسول الله صلى الله عليه وسلم ديناً لا نستطيع نكرانه وجحوده، فإن يكن بيننا منكر أو جاحد، فبحسب كل عربي صادق وكل مسلم مخلص ، أن يعاهده ـ في ذكرى مولده ـ بأن يكون له من الأوفياء المخلصين، فسلام عليه يوم قاد آباءنا في معارك الفتح المبين، وسلام عليه إذ يقودنا اليوم في معارك الحرية والكرامة على طريق مستقيم، وسلام على خلفائه وأوليائه الأولين والآخرين، وسلام عليه حين يلقونه في جنات النعيم.
اعجبني المقال جداً اكثر استاذ سائد في الكتابة لكي طلابنا يستفيدون من مقالاتك الشيقة والممتعة للقراءة