البسمة الرقيقة نعمة منها الله على الأخيار! بقلم: أبو عكرمة
كعادتي استيقظت مبكرا ونظرت في المرآة وحاورت نفسي وقلت لها مؤنبا : لماذا تبخلين بالبسمة الرقيقة على الناس؟
فأجابتني مزمجرة واثقة : أنت البخيل بنعمة البسمة على نفسك. ولماذا أنت دائما عابسا مكشرا أمام زوجتك وأهلك وطلابك ؟
فصرخت بغضب وعشوائية : أنت تعلمين جيدا كم أحبهم , ولكن هل يليق بالأب والمعلم توزيع الإبتسامات ! فقد علموني لكي تخاف وتهاب وتسيطرعلى زوجتك وأبنائك وطلابك، وتشعر الجميع بقوة شخصيتك ورجولتك، إياك وأن تبتسم أمامهم ! فقالت لي بصراحة ووضوح :هذه السلوكيات جاهلية, وتدل على عقد نفسية، وعقلية بدائية مهزوزة بالأفكار المسبقة, تتنافى كليا مع تعاليم إسلامنا الحنيف, ولا تليق بأخلاق رجل الدين الداعية، والزوج المحب والأب الحنون، والمربي المثقف، وكما أعلمك بأن البسمة الهادئة نعمة خص الله بها الانسان المؤمن، ومن تركها فقد خرج من الانسانية وكان اقرب الى الهمجية حيوانية !
هذه العبارات هزت كياني بشدة, فتنفست الصعداء وقلت لها أكملي , فأنا أشعر بالراحة والطأنينة, رغم شدتها وحرارتها !
فقالت لي نفسي: وكما أعلمك أن البسمة الخفيفة الهادئة برقية تحل محل ألآف الكلمات والعبارات فهي تحمل في طياتها الحب والسلام والايمان, وتفتح لها القلوب الصماء القاسية، وأذكرك بقول النبي الحبيب صلى الله عليه وسلم: “جبلت القلوب على حب من أحسن إليها”. فشكرت نفسي على أخلاقها النبيلة مخاطبا : ما أعظمك وما أعذب كلماتك وما أروع تعابيرك، ولك مني أعطر آيات الإحترام والتقدير! فقالت نفسي: ألعظمة لربنا ولإسلامنا، وألروعة بتعابير طبيب النفوس والقلوب الذي علمنا: “إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم، فليسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق”. وقوله عليه الصلاة السلام:” لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق”. وشهادة الصحابي جرير رضي الله عنه: “ما حجبني النبي صلى الله عليه وسلم ولا رآني إلا تبسم في وجهي”. قلت يا نفسي: لقد تعلمت منك اليوم درسا في قمة الأدب والروعة ! فقالت: لماذا الفراق بهذه السرعة، تريث قليلا فلدي الكثير من التعاليم النبوية المنيرة : تذكر! أن البسمة صدقة ، وطلاقة الوجه عطية ربانية، والبشاشة موهبة إلهية، لكن المحظوظ من حملها على سمات وجهه، وقسمات وجنتيه، وقدمها بين يديه “هدية” مودة وباقة صداقة وعنوان صفاء. لقوله صلى الله عليه وسلم: “وتبسمك في وجه أخيك صدقة”. فما أعظم هذه الرسالة الجليلة التي جعلت انبلاج الوجه عملاً صالحاً يؤجر عليه العبد المؤمن! فالبسمة مجانا ولا تكلفك مالا، ولكنك تؤجر عليها كصدقة جارية! وكم نحن بحاجة إلى البسمة: بسمة الرحمة للوالدين، بسمة الشفقة للأطفال والأبناء والطلاب، بسمة الحب للزوجة وللزوج ، بسمة الإجلال للعالم والمعلم والمربي، بسمة الوفاء للأصدقاء والأحباب،هيادعونا نبتسم لعمال النظافة وللغريب والفقير ! وتذكروا دائما : أن العبوس دليل ضيق النفس وثقالة الروح واعوجاج الخلق. إن العابس يرسل لك رسالة شؤم ويبعث لك برقية إنذار وتحذير، ويريد أن تفهم أنه لا يحبك. هيا نهجر العبوس لأن رسولنا صلى الله عليه وسلم كان بساماً طلق المحيّا نديّ الخلق؛ ولذلك خاطبه ربه قائلا: ( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ). ابتسم فابتسامتك تبعث الأمل والسعادة ,وتفتح القلوب وتنيرالدروب, وتذهب الأحقاد والبغضاء من النفوس.
ابتسم ولا تمل ، فالإبتسامة تذيب الهموم والأحزان والآلام، وتضيء مصابيح الفرح والسرور في القلوب ! ابتسم ولا تحرم نفسك الأجر بإدخال السرور على قلب أخيك, فابتسامتك صدقة ورمز العطاء ومبدأ المحبين للخير وصفة النبلاء والأوفياء! ابتسم في وجه المصيبة ولا تمل لأنك مؤمن! فالبسمة تحول الدمعة إلى رضا، والجزع ليس من سماتك، والأمر كله خير لك!
ابتسم فابتسامتك وبدون علمك، …أحيت همم ميتة, وحركت نفوسا بائسة ,ورفعت قدرك بين الناس ! ابتسم من فضلك فالإبتسامة هي المدرسة الي تخرج أجيالا من المتفائلين، وهي عيادة مجانية لعلاج الأمراض ! اللهم ارزقنا خلق الانبياء، واجعل البسمة دائمة على شفاهنا ,وعلمنا ان التسامح هو اكبر مراتب القوة وصلي اللهم على نبينا وحبيبنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين.
بقلم: المربي الشيخ أبو عكرمة الطيباوي .