الجزء الأول : الأسباب
إن إهمال الواجبات المنزلية ، ليس هو المشكل بل هو من مظاهر انعدام المسؤولية و كره الدراسة ، بسبب تصورات الطفل و عدم تفهمه لأسباب هذه التمارين الإضافية , بل ربما يعتبرها شكلا من أشكال العقاب غير المبرر .
أسباب الظاهرة تتنوع و تختلف حسب الحالة لكني سأحاول إجمالها في النقط التالية :
من طرف الأساتذة :
عدم تحبيب المادة لتلاميذ يعتبر أهم محاور المشكل لأن الطفل إذا أحب شيئا فعله مباشرة دون دفع أو إجبار ، بل و يفعله و هو مستمتع كأنه يلعب بلعبة محببة إليه .
ثم عدم شرح التمارين و أسبابها لتلاميذ يجعلهم يحكمون مخيلتهم الواسعة وتصوراتهم الخاطئة و يعتبرون الأعمال المنزلية عقابا بدون ذنب.
من طرف الآباء :
عدم تشجيع الآباء الأبناء على القيام بالواجبات المنزلية ، فكثيرا ما يكون أصل المشكل من تهاون الآباء في دفع أبنائهم لإنجاز و واجباتهم المدرسية ، وهذه قصة حقيقة قصتها أم في إحدى القنوات الفضائية ليستفيد منها الآباء،
تحكي الأم فتقول :
عندي بنت أدخلتها المدرسة وهي مازالت صغيرة ، كانت تقرأ نصف يوم ، كلما عادت من المدرسة مساءا سألتها عن أحوال المدرسة و كيف تعاملت مع أستاذتها و زملائها ، كانت إجابتها جيدة و قد طلبت مني الأستاذة القيام بواجب منزلي ” نقل جملة واحدة ” ، قلت لها كُلي ثم شاهدي التلفاز قليلا لنقوم بالواجب سويا ، بعد أن أكلت و عند مشاهدتها لتلفاز نامت ، ولم أستطع إيقادها لأنها صغيرة و تعبت من المدرسة ،؛ فأخذت كتاب الواجب وقمت بنسخ الجملة بيدي اليسرى لكي لا تكتشفها المربية ، في اليوم التالي سألتها عن أحوال المدرسة و الواجب فقالت : جيدة و أعطتني المربية نجمة (أي قمت بالواجب بشكل جيد ) ، فقلت لها هل عندك واجب اليوم قالت : نعم نقل جملة أخرى فقلت كُلي وشاهدي التلفاز قليلا لنقوم بالواجب معا ، ونفس الشيء حدث نامت و هي تشاهد التلفاز ، و أنا أعدت نفس الفعل نقلت الجملة بيدي اليسرى ، في اليوم الثالث عند عودة ابنتي من المدرسة سألتها عن المدرسة والواجب ، فقالت : جيد و أعطتني المربية نجمة ثم قالت عندي واجب نقل جملة ، فقلت لها كلي و شاهدي التلفاز و لكن لا تنامي هذه المرة لنقوم بالواجب معا ، فقالت لا يا أمي فالواجب ” حَيْ حُل نفسُ بنفسُ ” .
صدمت الأم بتصور ابنتها و حاولت بعد ذلك تصحيح تصورها و لكنه من صعب إصلاح ما كُسر ، إن هذه الحكاية على بساطتها تسلط الضوء على أهم أسباب الفشل الدراسي ، أي عدم تحمل المسؤولية ، لأن أبناءنا يحتاجون التدرب على تحمل المسؤولية من الصغر.
من طرف الأبناء :
عدم الاكتراث و كثرت المُلهيات من أسباب ضياع الأبناء بصفة عامة ، وهي نفس أسباب عدم القيام بالأعمال المنزلية ، لأن هناك أشياء ممتعة و أفضل للقيام بها مثل اللعب و مشاهدة التلفاز.
في الجزء القادم سأسلط الضوء على بعض النقط المهمة من أجل خلق دافعية ذاتية عند الأبناء للقيام بالواجب المنزلي .
الجزء الثاني : الحلول
تتمة للمقالة السابقة ” إهمال الواجبات المنزلية: الأسباب “؛ في هذه المقالة بعض النقط التي رأيتها مهمة في التعامل مع هذه المشكلة ، و أهم ما أود التركيز عليه أن هذه النقاط هي اجتهاد شخصي من قراءتي لمجموعة من الكتب التي تهتم بتربية الأطفال و مجموعة من التدوينات و من خلا ل ممارستي المهنية ، ثاني نقطة أن مثل هذه المشاكل التي تتعلق بالإنسان هي مُركبة ومتشابكة بالأصل لأنها تتعلق بمخلوق مركب من عقل و عاطفة و سلوك ؛ لذلك قد يحتاج علاج هذه المشكلة لتركيب مجموعة من الحلول لإنتاج دواء ناجع، و أخيرا لحل هذه المشكلة لابد من أن تتعاون عدة أطراف فيما بينها .
حلول من طرف الأساتذة :
أولا لابد من الاتفاق الأولي بين أطراف العملية التعليمية حول الواجبات المنزلية ، إذ على الأستاذ والتلاميذ الاتفاق حول ميثاق العمل المدرسي و من أهم النقاط التي يحتويها الميثاق الاتفاق حول الواجبات المنزلية و لا ضرر في الاتفاق حول عددها و مدى صعوبتها مثلا تحدد في ثلاث أيام في الأسبوع،كما يُذكر التلاميذ بأهمية الواجب المنزلي و تأثيره على مدى تحصيلهم و تفوقهم الدراسي.
ثانيا لابد من معرفة الأسباب الشخصية للمُهل في واجباته المنزلية ،هذه الفكرة ستساهم في توسيع و معرفة الرأي الأخر في المشكلة ؛ من الممكن مثلا أن يطلب من التلميذ أو التلاميذ كتابة موضوعي إنشائي حول أسباب عدم القيام بالواجب أو القيام به بشكل رديء ، وبذلك نعرف المشكل ونحله من جذوره ، لأن المشكل من الممكن أن يكون متصلا بتصورات خاطئة لذا الأطفال، وأول خطوة لتصحيحها هي معرفتها.
حلول من طرف الآباء :
إن المطلوب من الآباء هو تشجيع أبناءهم على الدراسة و القيام بالواجبات المتصلة بها ، و لكن معظم الآباء يقول: ” أنا أشجع ابني على القيام بواجباته الدراسية لكنه لا يقوم بها” ، وهنا يا صديقي المشكل ليس في الطريقة أي التشجيع و لكن المشكل في كيفية تطبيق الطريقة ، إذ أن أول ما يجب فعله لتفعيل التشجيع هي معرفة ما يحفز الأطفال و ما هي رغباتهم، سواء من خلال الملاحظة أو حتى أن تطلب منهم كتابة ما يريدون الحصول عليه و ما يتطلعون إليه ثم تستعمل هذه القائمة لتشجيعهم على القيام بأعمالهم الدراسية ، وكذلك الاستفادة من مجموعة من الوسائل الموجودة مسبقا مثل التلفاز والإنترنت و الألعاب الإلكترونية فلابد من أن تكون متصلة بالأعمال المدرسية.
إن الواجبات المدرسية تختلف درجة صعوبتها لذا في بعض الأحيان يكون من الضروري مساعدة الأولاد على إنجازها و إعادة توضيحها ، إذ لابد أن يحس الطفل أن العائلة متضامنة معه من اجل إنجاز و واجباته المدرسية ؛ فهذا يقوي الروابط الإيجابية لذا الطفل سواء مع عائلته أو مع الدراسة بشكل عام.
و أخيرا لابد من تدريب الأطفال على تحمل المسؤولية و ربطها بالوقت ، و يُستحسن تحديد وقت معين للدراسة في المنزل مثلا بعد العودة من المدرسة وتناول الطعام و قبل التلفاز والإنترنت ، وكذلك تحديد مدة زمنية حتى وإن لم تكن هناك واجبات منزلية فهناك المراجعة أو على الأقل المطالعة .
حلول من طرف التلاميذ:
إن مشكل إهمال الواجبات المنزلية لا يتعلق فقط بالأساتذة والوالدين إنما يتجاوزهم للأطفال أنفسهم ، إذ لابد من أن يحاول الطفل الاتزان في حياته اليومية أو كما قال صلى الله عليه وسلم ” ساعة وساعة ” بمعنى هناك وقت لدراسة ووقت لراحة و المرح ، باتزان دون أن يسيطر جانب على الآخر فنصبح مثل السيارة التي تتحرك بثلاث عجلات ، متدبدبة على الطريق.
ثم من أهم ما على الأطفال تعلمه ترتيب الأولويات لأن لكل شخص أولويات في الحياة حددها هو نفسه أو حددها له المجتمع والأسرة
والإعلام ، علمت بذلك أم لم تعلم أنت تعمل حسب أولويات مرتبة مُسبقا، لاحظ أعمالك وتصرفاتك و ستعرف ما هي أولوياتك في الحياة ، إن ترتيب الأولويات كترتيب البيت الداخلي، فأنت لا تستطيع العمل في مكان مضطرب لا تعرف أعلاه من أسفله ، كذلك الحياة؛ لا تستطيع العيش بها و أنت لا تعرف ما هي أولوياتك أهي الدراسة أم اللعب أم العمل ، عند الأذان ما هي الأولوية أهي الصلاة أم الدراسة ، عند الرجوع من المدرسة ما هي الأولوية أهي الواجبات المدرسية أم اللعب أم الأكل، حدد أولوياتك لتقود حياتَك.
في الختام:
الأعمال المنزلية فرصة لتَفوق و لرَبط المدرسة بالأُسرة و هي طريقة لرفع من جودة المنتوج التربوي ؛ بشرط أن نُحسن استعمالها ، و بألا تزيد من أتقال الآباء بالساعات الإضافية و ساعات الدعم .