أوضاع الطيبة المأساوية معروفة لنا جميعًا مواطني ومواطنات الطيبة رابع أكبر “مدينة” عربية في الداخل الفلسطيني والتي لا تملك ابسط مقومات المدينة الأساسية، أوضاع البنية التحتية الثقافية والاقتصادية والاجتماعية بائسة وآخذة بمزيد من التردي ونحو الاسوء مما لا يبشر بأمل وبمستقبل أفضل لنا ولابنائنا وللاجيال القادمة، إذ لا بصيص للنور في آخر النفق.وهذا ضمن غياب لقيادة منتخبة تسهر على مصالح الطيبة لا تعمل ضدها، وتحافظ على مقدرات البلد ولا تنهبها، وفي ظل لجنة معينة غاشمة وفاقدة لشرعيتها تسرح وتمرح مع ما تمثله من سياسة تمييز عنصري للدولة ضدنا، والنهج العائلي يبدو متجذرًا مع ما يمثله من نهج عنصري نوجهه نحن ضد انفسنا.
ما من شك ان اي مخرج للطيبة من مأزقها لا يمكنه أن يتحقق دون قيادة وطنية منتخبة للبلد، ومؤسف هو فشلنا، قيادة وجماهير، في طرد اللجنة المعينة التي تحكم بلدنا منذ حوالي الثمانية أعوام والتي قامت وزارة الداخلية بتغيير رؤسائها مرة تلو الأخرى، مصادرةً بهذا قرارنا دون رد مناسب منا. ومؤسف أن يكون مستقبلنا مرهون بيد الآخرين. وما من شك ان السبب في فشل النضال ضد اللجنة المعينة على مدار هذه الفترة هو عدم طرح البديل السياسي غير العائلي الذي يبشر بأن ما كان لن يكون، وبالتالي لم يحظى هذا النضال بالمد الشعبي والزخم المطلوب ولتبقى الطيبة تعيش بين سندان اللجنة المعينة ومطرقة العائلية دون اي أفق يبشر بمخرج من هذا المأزق.
المطلوب في ظل هذه الظروف هو مشروع أمل ومشروع ثقة يستنفذ الطاقات الكامنة الايجابية والهائلة في بلدنا لنهوض مجتمعنا بذاته. الطيبة متعطشة وبحاجة الى مشروع سياسي وطني وحدوي يعيد الثقة بين الناس وبين القيادة السياسية، ويعيد الثقة بالعمل السياسي وبالمشاركة السياسية عمومًا، ويعيد للطيبة مجدها ومكانتها كمركزًا اجتماعيًا وسياسيًا وكمنارة ثقافية يُهتدى بها. على هذا المشروع الوحدوي الذي من المفروض أن تشارك به كل التيارات السياسية المعنية والفاعلة على الساحة الطيباوية أن يكون مبنى على قاعدة متينة وعلى برنامج وحدوي كفاحي ووطني من خلاله نعمل، أولاً، وللمدى القريب، على مواجهة منهجية للجنة المعينة ومواجهة المخططات ضد الطيبة وضد مصالحها، ونبادر الى توفير الحلول والبدائل، وثانيًا، على هذا المشروع أن لا يتخلى أبدًا عن سعيه لطرح بديل سياسي للجنة المعينة وللنهج العائلي المرفوض. وثالثًا، وللمدى الأبعد، نسعى ونأخذ بزمام المبادرة الى تطوير البرامج التنموية للطيبة بجدية وبمثابرة وبالاستعانة بمختصين وبمهنيين، مستفيدين من الموارد ومن الامكانات والطاقات الايجابية الهائلة الكامنة في بلدنا وبمشاركة كل المشارب الاجتماعية والسياسية في البلد، وعلى أن لا يقتصر هذا العمل حتى الانتخابات وانما يكون نمط عمل منظم. على هذا البرنامج ان يرتكز على كل هذه الاسس الثلاث! وغيرها يبقى مشروعًا غير جدّيًا. وللتأكيد، الحديث يدور عن اتفاق حول برنامج عمل كفاحي وليس عن اتفاق على الفكر على حساب التعددية السياسية والفكرية الحيوية والضرورية للتطور الصحّي للمجتمع.
بدلاً من هذا، ما نشهده على الساحة الطيباوية هو ردات فعل واحتجاجات خجولة هنا وهناك دون مد جماهيري ملحوظ وحقيقي ودون تحصيل ايِ من الحقوق المسلوبة أو تحقيق لانجازات تفرض ثقلها على ارض الواقع مما يضعف موقفنا ويضعف اكثر الثقة بين الناس وبين القيادة السياسية، ويعود بمردود عكسي وسلبي على نضالنا الشرعي. وذلك كون هذه الاحتجاجات (مع أهميتها كأضعف الايمان) معزولة وللأسف عن اي دراسة مسبقة وعن اي خطة عمل بعيدة الأمد او عن استراتيجيات مبنية على تراكمية وتصاعدية وديمومة العمل والمتابعة.
النهج العائلي، المرفوض، في العمل السياسي والمتجذر وللأسف في مجتمعنا لا يُقاوَم بالستاتوسات الفيسبوكية (مع أهميتها على مستوى رفع الوعي في هذا الجانب)، وما هو متوقع وبالأخص مِمن يسعى الى قيادة البلد ان لا يكتفي ببرنامج يقتصر على شعار “لا للعائلية”، إذ لربما يختلف التوجه ليبدو أكثر متقدمًا بالمظهر من التوجه العائلي لكنه يبقى منقوصًا رغم تقدّمه، فهو ما زال لا يحمل رؤيا ولا برنامج عمل مفصّل يتعامل مع التحديات الكبيرة التي تواجهها البلد، لا يحمل حلولاً للبينة التحتية المتردية، ولا لاوضاع التربية والتعليم البائسة، ولا لقضايا الأرض والمسكن وهدم البيوت، ولا يتعامل مع كيفية تطوير اقتصاد البلد وحل مشكلة البطالة وتطوير المنطقة الصناعية، وتطوير المواصلات، ولا يشرح كيف سيحل مشاكل العنف والجريمة في البلد وغيرها الكثير…اذًا “لا للعائلية” مع أهميته كشعار وكفكر متقدّم وضروري سيبقى شعارًا فارغًا من المضمون يندرج ضمن خطاب سطحي ما لم يُحصَّن ويقدِّم برنامج عمل قابل للتطبيق ويشكل بديلاً عمليًا للعائلية!
هذا المشروع السياسي الوطني والحيوي للطيبة، والذي يبدو وللوهلة الأولى مفهومًا ضمنًا، يبدو انه ليس بمفهوم ضمنًا، إذ يواجه بعض المعوقات بحقيقة انه لا يتحقق. إذ يبدو أن الاستقطاب بين (بعض) الأطر السياسية الفاعلة على الساحة الطيباوية عميقة، والاختلافات في الفكر والايديولوجيات التي لا تمت بصلة حقيقية الى واقعنا المحلي الطيباوي البائس، وعدم قرائتها للواقع الطيباوي ولمدى خطورته، وتغليبها المصلحة الفئوية الضيّقة على المصلحة العامّة الأمر الذي ينعكس بعدم مضيها قدمًا بجدية الى تطوير مثل هذا المشروع وعدم تعاملها الجدّي مع هذا الطرح لكثير من الأعذار غير الموضوعية. هذا المشروع يجب أن يندرج ضمن رؤيا شجاعة ومنوطًا باتخاذ قرار مسبق، استراتيجي، واضح، وصريح ومسؤول بالتخلي عن النهج العائلي وليس فقط كاجراء تكتيكي يسعى الى قراءة ضيقة للخارطة السياسية وانتهاز الفرصة عند حلولها وبالتالي لا يبشر باستخلاص العبر وبتعلم الدرس مما ألمّ بالطيبة جراء هذا النهج المقيت. ولا بد هنا من التشديد على كلمة “البعض” حتى لا نقع في فخ التعميم، كون الأطر السياسية الحريصة والعريقة والفاعلة على الساحة الطيباوية تتحلى بالمسؤولية الوطنية وتتماهى مع مثل هذا المشروع قولاً وممارسةً مع ما يحمل عدم التقدم نحو تنفيذه من مفارقة! وما يطرح هذا من تساؤلات! فهل ما زالت الامكانية واردة ان تشارك هذه الأطر بقيادة مثل هذا المشروع الحيوي ولربّما المصيري للطيبة رغم كل المعوقات ونحو إعطاء أمل للطيبة نرى من خلاله النور في نهاية النفق، ولنخرج البلد من ظلماتها الى نورها؟