كلمة حرة

كل يعلق مفتاحه في عنقه ! بقلم: ابو الزوز

وسط أيام وليال كهذه، برزت ليلة ظلماء، فقدت سكونها وتيتمت من نورها، تعكر صفاؤها وتزين بريح صرصر وأخذ نعيق الريح ينتشر في جوانبها ويلقي ببرودته هنا وبكآبته هناك.1

دوت اصوات غير معتادة وسط العتمة التي تسيطر على كل شيء حتى المخيلة، صرير جنازير، صراخ أطفال وعويل نساء، غلبتها أصوات سعال الكهول وعذبتها حقائب قديمة مقيتة لعينة أخذت تحتضن نفيس الحاجيات وعزيزها، وتأخذ الأغلى والأهم، وتجمع الأصغر وتترك آثاره تسرد لوعتها لكل من يأتي بعدها ويفك رموزها ويفهم لغتها .

اختلطت الأصوات بترقب حذر وصمت مريب.. توجهت الأنظار نحو صندوق خشبي بدأت الشقوق ترسم شوارع العودة عليه بينما هو ينادي بالهروب والانهزام! غابت عن هذه الصورة كل الألوان إلا لونين بل أن الغلبة كانت للأسود!!

تسمر الجميع ووقفوا هنا صامتين مبهوتين يتهامسون، لغتهم اصبحت اشارات، لم يتعلموها قط، لم يستخدموها من قبل، ولكن المشهد اقتضى ذلك فلا بديل عنه.

صندوق العجب في الركن صاح وكبر بإسقاط طائرات حربية تابعة لسلاح جو العدو، اتسعت حدقات العيون، تأهبت الأفواه ثم صاحت فرحة، وتعالت وقفزت كحبات الذرة في المقلى، توارى اللون الأسود وظهر بعض من ألوان أخرى ولكن… !!

ظهرت الألوان العديدة ظهورا مصطنعا مؤقتا ثم عادت دون سابق انذار لتختفي، فضاعت هي وضاع حتى اللون الأسود، الآن لا لون هناك. لحظات وسقطت اربعة براميل صفعت الأرض صفعة فارتدت محدثة صوتا يسكت الحماس ويصم الأغاني ويجلس الحضور بعد أنقفزوا فرحين، انها براميل مليئة بخليط المتفجرات والوقود، عرفها الآن اهل الشام كذلك ..!!

من البراميل تبدأ حكاية ما زلنا ندفع ضريبة بدايتها، ما زالت بدايتها ترسم علامات تعذيب واهانة على جلد كبريائنا، تنهش في لحم عزتنا، إذا ما آلت جراح الكرامة للشفاء.

بدأ مشوار الاندحار، استكملت الحقائب جولاتها، واخذ كل ينادي على الآخر. الكل كان يصرخ، ويهز زلزال بشري كيان الجميع، لا وقت للتفكير ولا مجال للسؤال، فخيط التهجير ما ان بدأ بالانسلال، حتى ألقى أوله الرعب على أوسطه فجنده معه بسرعة البرق لينعكس هذا على آخره وان كان بتباطؤ الا أن لمقولة الأجداد هنا احترام، وان لم يكن فإنه سيتكون في مثل هذه اللحظات، تكاثرت الفتاوى وكثرت حركات ما قبل المغادرة. الكل ينادي “الهريبة ثلثين المراجل”، “واذا انجنوا ربعك عقلك ما بينفعك”، و”الجيش العربي قادم”، “سنخرج لساعات ليأتي الجيش العربي”.

سنخرج سنهرب سننزح سنلجأ المهم ان لا نكون هنا كي نسلم ويفنى العدو، يا لها من تعابير ما أثقلها حتى أن اللسان تكبله دمعات في الاحداق وحبيبات من القشعريرة عند نطق كلمة بوزن هذه الكلمات. يتوقف العقل عن التفكير، للقلب هنا الدور الأكبر في التسيير، يسير العرب لأول مرة في صفوف منتظمة يسيرون بترتيب وانضباط ولكن .. ليس الى الأمام!! بل الى الخيام.

خيام جاهزة لها ترتيب موحد ولون موحد، طبعت عليها حروف بلغة أجنبية. وزعت الخيام حسب العائلات. العقل ما زال غائبا لا أحد يعيد التفكير، خيط التهجير بدأ بالانتشار على الخيام كل يأخذ حصته من المعلبات البالية.

لا تدري ساعاتهم بأي توقيت، ولكن حسب توقيتنا المحلي فقد انتهت سويعاتهم منذ زمن. الآن ما العمل متى الرجوع؟ ما زال الجد يحتفظ بالمفتاح منذ ان علقه في عنقه، يا لك من أصيل ايها الجد، لكن .. ألا يحتاج المفتاح بابا يفتحه، أفلا يحتاج الباب منزلا يحرسه؟ أهناك باب وبيت ينتظران؟ أم أن لمفتاحنا رأي آخر؟

مع تحيات اخوكم ابو الزوز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *