توفي البروفيسور رئوبين فويرشطاين بعد ظهر يوم الثلاثاء الموافق 29.4.2014 عن عمر يناهز ال-93 عامًا قضاها في خدمة علم التربية وعلم النفس. ولأول وهلة قد يتساءل البعض، وبخاصة من لم يسمع عنه، ما الداعي لنشر هذا الخبر، إلا أن من عرفوه من العرب، وهم كثيرون، يعرفون من هو الرجل وما هو فضله على التربية في جميع أنحاء العالم.
فويرشطاين يهودي روماني الأصل، وكان تلميذًا لبياجيه وتأثر بآرائه في التربية، ولكنه بنى لنفسه نظريات تربوية خاصة به، ومن أهمها نظرية التعلّم الوساطي ونظرية التغيّر المبنوي المعرفي ونظرية الحرمان الثقافي وتأثيرها على التطوّر المعرفي للبشر والتي تؤدي إلى ظهور وظائف معرفية ضعيفة تُعيق نجاح الأفراد في الدراسة بكل مراحل التعليم.
وتطبيقًا لنظرياته، فقد صمّم برنامج الإثراء الوسيلي لاستعماله في المدارس مع كل أنواع الطلاب ومن كافة المستويات، ويحوي هذا البرنامج وسائل (كراسات عمل) لجيل الطفولة المبكرة، ووسائل لاستعمال الطلاب في الأجيال اللاحقة. وقد تُرجِم هذا البرنامج إلى عشرات اللغات، وكان لي شرف ترجمته إلى اللغة العربية، وقد طُبّق في عشرات المدارس العربية، بعد أن قام فويرشطاين مع مساعديه، وأنا منهم. بتأهيل المعلمين عربًا ويهودًا لتدريس هذا البرنامج في شتّى أنواع المدارس. وفي أيّامنا، يُستعمل برنامج الإثراء الوسيلي في حوالي أربعين دولة.
وقد طّوّر هذا المربي الكبير طريقة لتشخيص صعوبات التعلم التي يُعاني منها الطلاب والكشف عن القدرات الكامنة لديهم. وقد سَمّى هذه الطريقة بالطريقة الدينامية في التشخيص، حيث يقوم الفاحص باستعمال الوساطة أثناء الفحص، وهذا لا يُستعمل في التشخيص الذي يسير حسبه المختصون النفسيون العاديون. وفي كثير من الأحيان تكون نتيجة التشخيص العادي سلبية عند ولد ما، بينما يُظهر الفحص الدينامي أن الولد عادي أو على الأقل عنده نقاط قوة يُمكن استغلالها لتطوير قدراته ولتحسين تحصيله الأكاديمي في كل مراحل الدراسة.
ولقد مارس فويرشطاين خبراته المذكورة حتى يوم وفاته في تشخيص وتدريب الأولاد الذين يُعانون من صعوبات، على أنواعهم المختلفة: فمنهم من يدرس في التعليم العادي ومنهم من يدرس في التعليم الخاص، ومنهم المنغولي ومنهم المتوحد. وإلى اليوم نجد عشرات الأولاد الذين يأتون إلى معهده لمساعدتهم على التخلص من الأوضاع التي يعانون منها، وهناك حقائق لا جدل فيها تُثبت نجاح هذا الإنسان في مساعدتهم. ويأتي هؤلاء الأولاد من جميع أنحاء العالم، كما كان يُسافر مرات عديدة في كل سنة ليقوم بفحص أولاد ومساعدتهم في الدول الغربية.
وكذلك، فقد قام هذا الرجل بإجراء أبحاث في التربية وعلم النفس، مع طاقم مُتميّز من الباحثين، من البلاد ومن خارجها، فألِّفت العديد من الكتب وأُجرِيت العديد من الأبحاث، التي تُعتبر مفخرة، لأنّها لا تقلّ أهمية عن المؤلّفات والأبحاث التي أُجريت في أحسن الجامعات.
وبسبب كل هذه الأشياء، حصل فويرشطاين على جوائز عديدة وذات قيمة كبيرة في إسرائيل وخارجها. وعلى سبيل المثال حصل في إسرائيل على “جائزة إسرائيل في التربية” (وقد كان جالسًا بجانب إميل حبيبي عند توزيع الجوائز)، و”عزيز القدس”، و”جائزة الجامعة العبرية” وفي يوم دفنه مُنِح له “وسام رئيس الدولة”.
والغريب في الأمر أن معظم نشاطات فويرشطاين، وبخاصة التشخيـص، كانت وما زالت تُعطى مجانًا. ولقد اعتمد في تمويل نشاطاته على الهبات الحكومية وعلى التبرعات التي كانت تنهال عليه من جميع أنحاء العالم. وأنا أشهد، كمرشد لبرنامج الإثراء الوسيلي ومُشخّص دينامي، أن الوسط العربي استفاد من تلك النشاطات، وآخرها كان قبل فترة وجيزة عندما درس في معهده عدد من المستكملين مجانًا والذين جاءوا من الخليل ورام الله بعد حصول معهده على تبرُّع من أحد المحسنين من خارج البلاد.
وفي النهاية، لا يسعني إلا أن أتوجّه بالعزاء الحار لأبناء عائلته في جميع أنحاء البلاد، وأن يلهمهم الله عز وجل الصبر والسلوان، وإنا لله وإنا إليه راجعون.