غزة تستنجد… أين أنت يا مرسي؟، بقلم: د. سائد حاج يحيى
من منّا لا يفتقد، اليوم، زعيماً عربياً من قامة الرئيس المصري المعتقل، محمد مرسي، فكّ الله أسره، أمام كل هذا الخذلان العربي الكبير من المحيط إلى الخليج؟ من هو رئيس، أو ملك، عربي قرر إيفاد رئيس وزراء حكومته إلى غزة، للإعراب عن تضامنه مع شعبها الذي يفطر يومياً تحت قذائف الاحتلال؟ من هو الزعيم العربي القادر، اليوم، على الوقوف أمام جماهير شعبه، ويخطب فيهم، محذراً الإسرائيليين بأن غزة خط أحمر بالنسبة لأمن بلاده؟
كيف ما كان اختلافنا مع الرئيس المصري السابق، محمد مرسي، ومهما تبلغ درجة حقدنا الإيديولوجي على جماعته “الإخوان المسلمين”، وعلى الرغم من كل الأخطاء التي نجتهد في البحث عنها لتبرير الانقلاب عليه، بما فيها المنسوبة إلى جماعته في إدارة مرحلة انتقالية حساسة، وغير مسبوقة في عالمنا العربي، إلا أنه لا يمكننا أن ننكر للرجل ولجماعته القدرة الكبيرة والفائقة في التدخل السريع، لوقف الكارثة التي كانت على وشك الوقوع عام 2012.
يومها، لم يقف أول رئيس عربي منتخب ديمقراطياً متفرجاً على مأساة الفلسطينيين، كما لم يتراجع عاجزاً أمام عجرفة الإسرائيليين وغطرستهم، ولم يتردد خائفاً من ردود الفعل الدولية، عندما أرسل رئيس وزرائه تحت القصف الإسرائيلي لمؤازرة الضحية، والوقوف في صفه، ولم يكتف بإرسال شحنات الدواء والغذاء، وكأن الفلسطيني، المحاصر في غزة منذ سبع سنوات، بقرار إسرائيلي وتواطؤ رسمي عربي، لا يحتاج إلى مثل هذا الدعم، إلا عندما يكون تحت القصف، وعلى شفا الموت!
من ذكّرنا بدور مرسي هي جريدة “واشنطن بوست” الأميركية التي وصفت، الأسبوع الماضي، الدور الذي قام به الرئيس المصري المعزول، للتوصل إلى أسرع هدنة في تاريخ الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، بأنه كان “أشبه بالإلهام”، قبل أن تكتب متأسفة: “من الصعب إنكار أنه، عبر الانقلاب العسكري الذي عزل مرسي، انطفأ بصيص أمل في الشرق الأوسط، ولا زلنا لا نعلم ما الذي يستطيع تعويضه”.
فأثناء الأزمة بين إسرائيل وحماس عام 2012، كادت أن تقع الكارثة، بعدما قصف الطيران الإسرائيلي غزة، وردت عليه المقاومة الفلسطينية بصواريخها . يومها، لم تستمر المواجهة بين الطرفين أكثر من سبعة أيام من 14 نوفمبر/تشرين الثاني إلى غاية 21 نوفمبر من العام نفسه، ذهب ضحيتها نحو 177 شهيداً فلسطينياً، من بينهم 27ما بين رضيع وقاصر، ومئات الجرحى، وفي الجانب الإسرائيلي قتل ستة إسرائيليين جراء القصف الصاروخي للمقاومة.
نجحت، آنذاك، وساطة أول حكومة إسلامية منتخبة في التوصل إلى هدنة بين إسرائيل وحماس، على الرغم من أنهما لا تعترفان ببعضهما، وخرجت حركة المقاومة قويةً من تلك المنازلة التي فكت عنها جزءاً من عزلتها القاتلة.
مع الأسف، انقلبت الآية مع انقلاب 3 يوليو/ تموز، وتنقل صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية، هذه المرة، الأسبوع الماضي، عن تسيفي ميزال، السفير الإسرائيلي السابق لدى مصر، قوله: “مصر ليست في عجلةٍ من أمرها، لتشهد نهاية النزاع القائم، ولا أعتقد أن المصريين يذرفون الدموع، عندما تهاجم إسرائيل حماس، حتى أن إدانة مصر هجمات الجيش الإسرائيلي جاءت على استحياء، مع غيابٍ تام لأي تعليقات للسيسي في وسائل الإعلام المصرية”!
حتى كتابة هذا المقال (فجر يوم الاثنين 14 يوليو/ تموز)، يدخل الهجوم الإسرائيلي على غزة يومه السابع، وقد فاق عدد ضحاياه 172 شهيداً و1250 جريحاً، وأغلب الشهداء والجرحى من المدنيين العزل من الأطفال والنساء، ومع ذلك، ما زالت “جامعة الدول العربية” تستعد لعقد اجتماعها “الطارئ”، لإصدار بيانات إدانتها المكررة والمشكوكة باللغة المقززة نفسها التي تثير الشفقة، بقدر ما تثير الاشمئزاز.
ولا تململ عربياً سوى لطائرات الإعانة، وكأن ما ضرب سكان غزة هو تسونامي بحري، أو إعصار سماوي، أو زلزال أرضي، وليست طائرات دولة عنصرية ومحتلة، تريد أن تنتقم لمقتل ثلاثة من مستوطنيها، في ظروف مازالت غامضة، وعلى الرغم من قصاصها العنصري لهم بحرق شاب فلسطيني حتى الموت!
حتى البرلمانات العربية المزورة والفاسدة والشكلية، والتي تحولت، في أغلبها، إلى غرف للتسجيل ورجع الصدى، أو للتصفيق للحاكم ومباركة قراراته الحكيمة، لم نسمع أنها نددت، أو شجبت، أو استنكرت، وهذا سقف إرادتها، المجازر الإسرائيلية اليومية التي تحصد عائلات بكاملها. عار أن يأتي التنديد من برلمان دولة في قاع الخريطة الأرضية، هي تشيلي، التي لا تربطها مع الفلسطينيين لا رابطة دم أو لغة أو دين، ومع ذلك، قرر نوابها الكرام الوقوف دقيقة صمت، حداداً وحزناً، على ضحايا القصف الهمجي الإسرائيلي.
وحدها دولة “داعشتان” العظيمة وعدتنا بالقصاص من المعتدي الإسرائيلي، لكن، بعد انتهائها من حربها المقدسة على كل الخوارج والمعتزلة الجدد والرافضة والمرتدين والمنافقين والمشركين.. وهلم جرا، إلى أن تقوم الساعة، ولننتظر، بعد ذلك، إن كانت ستقوم لهذه الأمة قائمة. من عاش منا حتى ذلك اليوم الموعود، فليسأل الله أن يغفر لنا ضعفنا وعجزنا، أما خوفنا من أنظمتنا التي تمعن في خذلاننا وإهانتنا، فنحن نتحمل مسؤوليته.