بينما يلملم اخوتنا في القطاع كل يوم اشلاء صغارهم ونسائهم وأهاليهم ويسارعون الى دفنها، إذ ان إكرام الميت دفنه، وبينما تتساقط القذائف الحارقة فوق رؤوسهم عند الافطار وعند السحور وما بينهما، وفي الوقت الذي تنهار فيه بيوت على من فيها فيختفون تحت انقاضها لأيام واسابيع جراء القصف الوقح، وفي حين ينزف نصفنا في غزة وخانيونس ودير البلح ورفح والشجاعية ومخيم الشاطئ وبيت لاهيا وغيرها، يستعد نصفنا الآخر هنا ليفرح ويبتهج بعيد الفطر الذي يصادف الاسبوع القادم.
هناك من لا يتوقف عن العويل كلما تذكر انه اصبح وحيدا بعد عائلة كانت تعد عشرة انفار، هنا من يعد الطبول والمزامير لمسيرات العيد. هناك من يبحث عن حبة بندورة وكسرة خبز يفطر عليها عند الاذان في رمضان، هنا من يجوب المحال التجارية لشراء الملابس استعدادا للاحتفال. هناك من اتخذ من ساحة مدرسة او رصيف مأوى له بعد ان هدموا منزله، هنا من استأجر الغرف في الفنادق ليترفه خلال ايام العيد.
أما انا فلن احتفل لأنني سأخجل لو فعلت هذا، ولأنني لا اجد في نفسي متسعا للبهجة إلا اذا حاولت خداع ذاتي، وانا لست مخادعا.
لقد الغت الغالبية الساحقة من السلطات المحلية والفرق الكشفية التابعة للحركات الدينية، المسيرات البهيجة في القرى والمدن العربية بمناسبة عيد الفطر، ولا ادري هل سيجد اريك برامي من يسير خلفه عشية العيد في مسيرة الطيبة التي لم يعلن عن الغائها الى الآن. عيب لا يغتفر ان يستجيب احدنا لدعوة اللجنة المعينة الى المشاركة في مسيرة احتفالية كهذه.
انا لن احتفل، ولن يحتفل كل اصدقائي، لأنني اعتبر نفسي ثاكلا نعيت لتوي اكثر من 600 عزيز علي، فكيف للثاكل ان يبتهج؟ اما من ليس له بداً من اداء واجب اجتماعي، فليبتعد ما استطاع عن مظاهر البهجة وصخب الاحتفال. إذ ليس من شيمنا ان نزغرد واخوتنا في غزة يئنون حسرة على عائلات فقدوها في لحظة.
انا لن احتفل وليعذرني كل من له حق علي، فلم تعد ابتسامتي حقيقية ولا امنيتي حقيقية، بل كل مظاهر الفرح لدي مقتبسة، لا شأن لي فيها ولا اصدقها.. فكيف اسوّقها لك ؟ … لذا لن اصطنع الغبطة والحبور ولن احتفل!
قد يقول قائل: لصغارنا واقربائنا حق علينا، ما ذنبهم حتى نعاقبهم بعدم الاحتفال وهم يترقبون العيد منذ عام؟ ثم قد يقول قائل: ان الاحتفال بالعيد مظهر من مظاهر القوة التي علينا اظهارها امام من يريدون كسر شوكتنا… هذه اراء جديرة بالاحترام والتقدير ويبقى الامر عالقا بين القناعة والتبرير، ولكل ما يملي عليه فهمه وإدراكه.
ضمد الله جروح هذا الشعب وكفكف دموعه وخلص حقه وازرع في دياره عدالة السماء!
مع تحيات اخوكم ابو الزوز