لقد برعتَ يا سميح في فن النسيان.
وصلتَ إلى المحطة الخامسة والثلاثين وبقيتَ هناك..وطاب لك المُقام!
لقد نسيت يا سميح أن تكبر عمرًا..وبقيت شابًا متألقًا شامخًا شعرًا وكرامة!
إلى أخي ورفيق دربي سميح القاسم..فارس الكلمة الجميلة..
تحية من قمة الكرمل..حارس البحر..وحفيد ظاهر العمر..إلى حفيد المتنبي..حارس القمم الشعرية الخضراء..في هذا الوطن الجميل!
لقد برعت يا سميح في فن النسيان!؟
لقد وصلت إلى المحطة الخامسة والثلاثين وبقيت هناك وطاب لك المُقام!
لقد نسيت يا سميح أن تكبر عمرًا..وبقيت شابًا متألقًا شامخًا شعرًا وكرامة..
الآخرون عباقرة في فن التزييف..ولا يُشقُّ لهم غبار في هذا الميدان.
لقد احترفوا هذا الفن..فزيفوا التاريخ..وزيفوا الجغرافيا..وزيفوا الطعام..وزيفوا الشراب..وزيفوا الثياب الفلسطينية..وعلقوا الأبجدية العربية من جديلتيها..ورموا على وجهها الجميل حامض الكبريتيك!
لقد شوهوا وجه المتنبي..ووضعوا على رأسه الكيباه..فصار بقدرة قادر الخواجا مونتنابي..أو مِسيو مونتنابييه!
وشُبّه لهم أنهم اغتالوا صلاح الدين في أحد شوارع حيفا..وشُبه لهم أنهم غرسوا في خاصرته رمحًا ترفرف عليه خرقة هزيلة كتب عليها “شارع الأبطال” (رحوف هجيبوريم)..بدلا من شارع صلاح الدين!
وبقي صلاحُ الدين..صلاحَ الدين..وظل ساهرًا حارسًا للحلم!
فما قتلوه وما صلبوه..ولكن شُبه لهم!
يحاولون اغتيال جدك الحسين بن علي..فيُدخلون شارع الحسين إلى غرفة العمليات..ويضعونه على طاولة التشريح..ويعيدونه إلينا مخلوقا مشوهًا مسخًا خارجًا لتوّه من ورشة بيكاسو أو سلفادور دالي..مخلوقًا مشوّهًا اسمه شارع حُوسِن!
فلا أحسن الله إليه..ولا بارك الله فيه..ولعنة الله عليه وعلى صانعيه..
وصارت الناصرة نصرات..وعكا عكو..وصفد تسفات..ومِيسَر ميتسِر..وطيرة الكرمل تيرا وهلمجرًا وجرجرة وشرشحة للغة العربية!
غير أن حرابهم تكسرت على أسوار قلعة الشعر وقلعة الكلمة الشريفة.. التي يحرسها سميح وأصدقاؤه إميل حبيبي ومحمود درويش وتوفيق زياد وحنا أبو حنا وراشد حسين وعصام العباسي وشكيب جهشان وسالم جبران وآخرون كثيرون نحترمهم ونقدر لهم عطاءهم الإبداعي ودورهم الهام في بلورة الخارطة الشعرية..
هؤلاء يقفون معًا في خندق واحد..وتحت سماء واحدة!
وما دام هؤلاء هم حراس قلعة اللغة العربية وهم الناطقون باسمها وبما يغلي في أعماقها من براكين الغضب..وبما يتفجرّ من أحشاء صخورها من ينابيع العشق..فلا خوف على هذه اللغة..سيدة اللغات!
بميلادك يا سميح..تولد لغة ثانية لها مذاق آخر!
إنها تتجدد وتكتسي أجنحة جديدة ملونة..فتحلق في سماء تنفتح على سماء تولد منها سماء..تنفتح على أبواب السماء السبعة..وعلى سماء لا سماء لها!
أيها العزيز سميح..أين تعلمت فن النسيان!
لقد وقفت على مشارف الخامسة والثلاثين..ونسيت أن تكبر!
فما زال عمرك خمسة وثلاثين عامًا!..وما زال أمامك خمسة وثلاثون عامًا أخرى..وستحتفل بعدها.. بعيد ميلادك الخامس والثلاثين!
فأيّ يوشع هذا الذي أمسك الزمن من تلابيبه ولوى عنقه..فصلب الشمس على جدران التاريخ؟
تنام ملء جفونك..وتصبح على وطن..يا أبا وطن..
فكل عام وأنت سميح ابن الخمسة والثلاثين نيسانًا..
دمت لنا حارسًا للشعر..وحارسًا للقمة الإبداعية..وحارسًا لشرف الكلمة العربية وعينيها الكحيلتين..
دمت سميحًا..ودمت محمدًا..ودمت حسينًا..ودمت قاسمًا قاصمًا لأعدائك..ودمت جامعًا مانعًا لأحبائك..ودمت عدنان..ودمت قحطان..ودمت نزارًا..ودمت وطنًا..ودمت ديمة تنهلّ خيرًا وشعرًا وعطاء إبداعيًا لا يتعب!
أيها الفارس الحبيب..سميح! يا أمير الكلمة الطيبة!
إن أقواس الأمل في انتظارنا..وشذاها يعبق في سماء وطننا..
دمت منتصب القامة أبدًا..مرفوع الهامة أبدًا..ودمت قامة شامخة باسمة أبدًا..
لا تنسَ أن نلتقي بعد خمسة وثلاثين عامًا..لنحتفل بعيد ميلادك الخامس والثلاثين..فنحن على موعد!
لا تنسَ كما نسيت أن تكبر!
ولا تتأخر عليّ!
إلى اللقاء..إلى اللقاء!
وكل عام يا حبيبنا وأنت بألف خير..
• إشارة
(كتبت هذه الكلمة لتلقى في حفل تكريم للشاعر الكبير بمناسبة عيد ميلاده السبعين.. أقام الاحتفال التكريمي مؤسسة توفيق زياد للثقافة والإبداع في الناصرة بتاريخ 2-10-2009).