الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط تكم الافواه وتقيد الأقلام وتعصر الفكر قبل ان ينطف بكلمة ضد الحرب على قطاع غزة ولو على صفحة شخصية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك.
لم يتبق مضمار إلا وانعكست فيه الحرب الدائرة على قطاع غزة، فلم لا تنعكس كذلك على الحوارات الدائرة على صفحات فيسبوك وعلى ما ينشره أعضاء هذه الشبكة الاجتماعية؟ غير ان عين الرقابة الرسمية والشعبية لا تنام بل وترصد كل كلمة كتبت او لم تكتب في ما ينشره المعارضون لهذه الحرب.
جميعنا شعر باستياء عميق جراء فصل بعض المواطنين العرب من أماكن عملهم لأنهم ابدوا رأيهم المعارض للحرب، ومنهم من تعاطف مع اخوانه وأبناء شعبه في قطاع غزة، وهو ما لم يرق للمراقبين لتصرفات أبناء الأقلية العربية في البلاد، فكان الاجراء الأسرع هو ضرب هؤلاء في لقمة عيشهم وارزاقهم من خلال ارغام رب العمل على فصل هذا او ذاك من العمل خلال دقائق.
قد يستغرب البعض، ولكن هناك من تلقوا الملاحظات المبطنة على ما ينشرون في فيسبوك وهناك من تلقوا النصيحة “المهذبة” بتجنب نشر أي شيء له علاقة بالحرب الدائرة على قطاع غزة، وفي مقدمة هؤلاء يأتي العاملون في سلك التربية والتعليم الى جانب غالبية موظفي المؤسسات الحكومية.
لن افضح أحدا، ولكن حين اكتب عن الحرب على غزة، تصلني ردود الفعل المؤيدة عبر رسائل خاصة وليس عن طريق التعقيب على ما كتبت في فيسبوك لئلا يلاحظه المراقبون ويتعرض كاتب التعقيب للملاحقة.
ليس سرا ان هناك مجموعات نشطة من الوسط اليهودي تصول وتجول في صفحات الأعضاء العرب على فيسبوك وتلقي بما ترى ان له علاقة بالأحداث في غزة، على صفحة الترجمة التابعة لجوجل ثم تتقصى المعلومات عمن نشر ذلك وتبلغ عنه. وقد انتشرت هذه الطريقة للملاحقة حتى صارت من أكثر النشاطات شيوعا ولا يغيب عن عينها شيء مما ينشر.
انها عدة مجموعات لها صفحات خاصة على فيسبوك، تتعقب ما ينشره المواطنون العرب من البلاد، وإذا بدا انه معارض للحرب او متعاطف مع غزة، تنشر تفاصيله ومكان عمله وعنوانه ومن ثم تنهمر رسائل الاحتجاج من كافة أعضاء هذه المجموعات للضغط على صاحب العمل لتدفعه الى فصل هذا المواطن من عمله، لدرجة ان افرادا من هذه المجموعات نظموا وقفات احتجاج امام مؤسسات تشغل مواطنين عرب كانت لديهم الجرأة في كتابة بعض الكلمات المناوئة للحرب.
لا بد ان كلا منا يعرف عدة حالات تعرض فيها مواطنون عرب للمضايقة او الفصل من العمل بسبب كتاباتهم ضد الحرب، وهذا يعتبر قمعا فكريا بكل المعايير، وهو نهج أقرب الى النظام الدكتاتوري منه الى النظام الديمقراطي.
صحيح ان محكمة العمل اعادت بعض الذين فصلوا من عملهم في ظروف كهذه، ولكن بقي الكثيرون ممن لم يجدوا السبيل الى مقارعة هذه القرارات المجحفة بحقهم.
مع تحيات اخوكم : ابو الزوز