سؤال يحوم في ذهن كل منا، يتخبط بين الواقع والتوقع، سؤال نطرحه بعد كل جريمة قتل تسقط فيها الطيبة اسما وسمعة وسيرة ذاتية. لا نجهر بما في الاذهان من تكهنات ونكتفي بالتهامس بعيدا عن اذان الاخرين لئلا يصل همسنا الى القاتل فنصبح هدفا قادما له.
ان من قتل الأستاذ هو من صمت حين سمع ازيز الرصاص في حارته فأغلق النافذة واحتمى في غرفة داخلية من منزله. هو ذاك الذي سمع وشاهد سيارة غريبة وسائقها المتهور يؤرق الحي بحركات بهلوانية في المفرق وسط الليل، فتمتم واغلق النافذة كي لا يزعجه صوت عجلات السيارة المشاغبة.
ان من قتل الأستاذ هو من أطلق النار اثناء حمام العريس في الحي بكل عنجهية، وهو ذاك الذي ابدى اعجابه بسلاح الفتى وشجعه على التباهي به امام “الشلة”. انه ذاك الذي اشترى وباع قطع السلاح وذخائرها امام انظار الكبار ولم يجد أحدهم شجاعة في ردع هذه الوقاحة.
ان من قتل الأستاذ هو من فرح لابنه حين اشتكى منه الجيران لاعتدائه بالضرب على ابنهم، وهو ذاك الاب في الطرف الآخر الذي غضب من ضعف ابنه حين تعرض للاعتداء فنصحه بألاّ يعود في مرة قادمة مهزوما.
إن من قتل الأستاذ هو صمتنا بكثير من التآمر على ما يدور حولنا واكتفاؤنا بالرجاء ألاّ نكون هدفا لما يجري من مصائب تحت نافذتنا واكتفينا بإغلاق الأبواب والنوافذ توخيا لمأمن من شظايا جريمة تتقلب في الفرن وستجهز قريبا.
ان من قتل الأستاذ هم المثقفون الذين تركوا الشارع لقلة متهورة من أبناء الطيبة تسرح وتمرح وتضع اسم الطيبة في خانة الجريمة. قلة ممن لا هم لهم سوى التسكع ليلا وصوت الموسيقى العبرية يصدح من سيارته وكأنه بلغ قمة طموحه في الحياة.
ان من قتل الأستاذ بل وقتل كل من سقط في هذا البلد هي السلطة المتمثلة بالشرطة. هي المسؤولة الأولى والأخيرة عن امننا وأماننا، التي تتقاضى راتبها من اموالنا كمواطنين، والتي تحذر في بعض الأحيان الضحية بتوخي الحذر لأنه مستهدف ولا تلقي القبض على المشتبه. كيف للشرطة ان تتظاهر بالعجز عن جمع السلاح الجنائي من الزعران في المدينة بينما تنجح بجمع السلاح الأمني حتى الرصاصة الأخيرة؟
وأخيرا، فإن من قتل الأستاذ هم نحن جميعا من حيث ندري او لا ندري، ولكن حماية الذات ليست من خلال اغلاق النوافذ والعينين والاذنين والفم، ان حماية الذات اولا وقبل كل شيء تبدأ بعدم الهروب من واقع قد يؤلمنا او التهرب من مسؤولية قد تهددنا.
اعانتك الاقدار يا بلدي !