منذ اليوم الاول على ارتكاب الجريمة البشعة في الطيبة التي خطفت من بيننا المربي يوسف شاهين، سارعت الشرطة الى استصدار امر قضائي يحظر نشر أي تفاصيل عن الجريمة بدعوى ان هذا قد يعرقل سير التحقيق. وتم فرض الحظر شهرا كاملا.
هذا يعني ان الشرطة خلقت لنفسها لأفضل الظروف للتحقيق بأريحية لا يزعجها اعلامي ولا يسائلها صحفي عما توصلت اليه من نتائج تحقيق ولا حتى هل بدأت التحقيق اصلا.
بهذا صادرت الشرطة من المواطنين حقهم الاساسي في المعرفة ولم تأبه للرأي العام الطيباوي القلق ازاء ما تتعرض له بلده. وتمسك التحقيق بحق اخفاء ما يقوم به بشأن جريمة هزت البلد بأسرها، ما لبثت ان اعقبتها جريمة أخرى لا تقل عنها بشاعة وايلاما بقتل الشاب سيف حاج يحيى الذي كان في طريقه لشراء الحليب لأطفاله، فأنتهى به درب الحياة عند اعتاب مقر الشرطة حيث أختلط دمه بحليب اطفاله على قارعة الطريق، فهل واجهت سيدي قائد شرطة كيدما تحديا اوقح من هذا التحدي؟
في حالات مماثلة في الوسط اليهودي، نجد ان كبار الصحف تتوجه الى المحكمة طالبة رفع حظر النشر عن تفاصيل هذا الملف الجنائي او ذاك، وفي معظم الحالات يقتنع القاضي بأنه لا جدوى من احاطة التحقيق بهالة من الغموض بعدما اتضحت خطوط التحقيق، فهل في الطيبة وسيلة اعلام مستعدة لنبش هذا الامر؟
ورغم هذا، فإن حظر نشر حيثيات التحقيق في القضايا الجنائية، اجراء لا يعفي الشرطة او جهاز التحقيق من تقديم المعلومات المسموح بها للأهالي حتى يطمئن الطيباوي العادي من ان الشرطة حقا تعمل وتعمل بالجدية الضرورية من اجل استعادة ثقة المواطنين بها ومن اجل استعادة الامان الشخصي لكل مواطن.
لماذا لا تبادر الشرطة الى الكشف عما لا ضرر في الكشف عنه حتى تبث الطمأنينة في نفوس اهل البلد في هذه الايام التي فقد كل منا ثقته بقدرة الشرطة على حمايته حتى بات يساوره الشعور بأنه قد يكون الهدف القادم لمثل هذه الجرائم.
لماذا لا تعلن الشرطة هل اعتقلت احدا على ذمة التحقيق، وهل تكشفت امامها خيوط كل من الجريمتين وكيفية تدبيرها؟ ام انها تتعمد ترك العنان للشائعات تسري بين الناس لتتحول بسرعة البرق الى “حقائق” افتراضية لا تستند الى الواقع بشيء مما قد يثير الاحقاد بين الناس بلا سبب؟ هل تريدنا الشرطة ان نتكهن ونخمن ونوجه التهم الباطلة كل الى الآخر؟ الحقيقة الرسمية وحدها من شأنها ان تضع حدا للشائعات التي تنتشر كالنار في الهشيم!
لكن الشرطة، وعلى ما يبدو، تراهن على عامل الزمن الذي يتولى تهدئة النفوس واستعادة رتابة النبض، تراهن على عودة الهدوء وتعب المتظاهرين المحتجين، تراهن على اختفاء مسيرات الاحتجاج، تراهن على ذاكرة قصيرة لدى الطيباوي تستنفذها هموم الحياة العادية بعد اسبوع او اسبوعين على الاكثر فيتعب وينام.