تم طردي من عملي بعد مد وجزر، بعد كر وفر، فُصلت من عملي، فالإدارة لم تعد تحتمل تأخيري المستمر والمتكرر, ناهيك عن وجبة الغضب الصباحية اليومية التي لا بد ان يتلقاها منك أحد زملائك، هذا ما قاله لي المدير في جلسة الاستماع, يتحدث معي وانا أشتم هامسا في نفسي كل من كان سببا في “قطع رزقي”، اندب شارعا واحدا بدلا من ان يكون لي سبيل نجاة تحول الى حبل مشنقة وطريق مشقة لي ولغيري…
مسكين صديقي “المتأخر الدومي” يُخاطبني في نبرة خافتة يكسوها الانكسار، الحيرة والخجل، فمن الان وصاعدا سيجد نفسه “لايص” في دوامة البطالة عاطلا عن العمل، حاولت أن أفهم منه أسباب تأخره المستمر، هل هو بسبب الكسل أم ماذا؟ وبعد “خض ومض”, فتح نيرانه صوبي وصوب كل أبناء بلدي، وعيناه تتلألأ “مرغرغة” بالدمع, صارخا: ألا تعلم يا صديقي أنني أخرج من “عنق الزجاجة” صباح كل يوم؟! ألا تعلم أنني أستحم وأغتسل يوميا بالتراب؟! فمع شروق شمس جديدة كل صباح يبدأ الجهاد اليومي من أجل الخروج من نفس “عنق الزجاجة”؛ كيف لي ان لا اتأخر والمياه في بلدي كل يوم من “البرميل” تتبخر!؟ كيف لي ان لا اتأخر؟ وفي كل فجر جديد يجب أن يسمع جيراني صوتي باحثا عن ماء سائلا: “يا أبو فلان في عندكم ميه؟” “للأسف لع يا جار, الميه مقطوعة بكل الحاره”، هم الآخرون يعيشون نفس أزمتي، يعانون معاناتي، فجميعنا نعيش في سفينة واحدة وما يحدث لي يحدث لك ومعك يا جاري، يا ابن بلدي!! نستيقظ من نومنا و “نفرك” اعيننا آملين ان تتكرم علينا “مسورة” المياه، ولو بقطرة، نغسل بها وجوهنا متنازلين عن أبسط حقوقنا “دش” صباحي يومي!! أما يا صديقي، وان وجدناها، فلا بد ان نجد أنفسنا غارقين هذه المرة في شلال المركبات المتدفق الى “شارع الموت” محاولين الخروج من “عنق الزجاجة”، وما يزيد الطين بله، هو “النظام المتناهي”!!! يا إلهي… حين يجتمعا معا قلة الصبر وعدم النظام… فجاري وأخي وصديقي وابن بلدي يظن في نفسه واهما انه أفضل مني وممن يقفون مصطفين مثلي محاولين الحفاظ على القانون وآداب الشارع، فيجتازنا غير مكترث لإخوة بلد أو وطن مجبرا بعضنا على النزول الى حافة الطريق او دخول المسلك المعاكس معرضا حياتهم للخطر… لهذه الأسباب تم طردي يا من سألتني، فهل بلدي أصبحت مشكلتي, علتي وسبب في فقدان مكان عملي؟!
تخيل يوما لا نجد فيه ماء نُغسّل به موتانا!!
وأسفاه، نظرت إليه في حسرة قائلا… فسأل عن الذي يجول في خاطري في هذه اللحظة؟ فأجبته ضاحكا باكيا: كثيرة هي الأشياء التي أفكر فيها الآن منها: تخيل معي يا صديقي يوما نريد فيه أن نغسل أحد موتانا ولا نجد ماء أو قطرة ماء حتى, والسبب؟ شركة “ماكوروت”, والتي تسعى جاهدة “تشليحنا” آبارنا الارتوازية، قررت ان تُفعّل علينا ضغطا وتعاقبنا جميعا وقامت بإغلاق دولاب “الشبر” كما حدث في كثير من القرى والمدن العربية في الشمال!!. وتخيل وتخيل ووووو…
444 شارع بات لكثيرين نكبة وسلطتنا المنكوبة، فينا مستهترة وفي عقولنا مستخفة، تريد منا أن نخرج يوميا من “عنق الزجاجة” مرغمين على أكل الحصرم والزجاجة منذ زمن فارغة، فارغة من كل شيء جميل ومن الماء الوفير.. لا اريد توجيه اللوم للبلدية التي هي سبب رئيس في نكبتنا بقصر نظرها وتخطيطها، وعلى تعاقب متخذي القرار فيها، وتحميلها المسؤولية قبل أن اللوم أنفسنا، فالمواطن الساكت عن الحق وأبسط حقوقه هو شيطان أخرس، فلك ان تختار بين ان تكون “شيطانًا” او “حجر بناء” يكون لبنة أساسية في بناء بلدك، في بناء حاضرها ومستقبلها… فهل من كاسر للزجاجة؟ وهل من ضارب للأرض مخرجا لنا من بطنها ماء طهورا… أم “لقد أسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي”؟ وتبقى سطور الحكاية مفتوحة بحاجة لمن يضع نهاية لها…