لطالما كانت اللغة العربية، التي تشكل هوية عرب الداخل الفلسطيي، السكان الاصليون للبلاد، هاجسا يقلق المؤسسة الإسرائيلية، بكل ما تحمله من معنى، بما في ذلك ثقافتهم وحاضرهم الذي يجمعهم بامتدادهم العربي والإسلامي.
تعتبر مكانة اللغة العربية في إسرائيل قضية معقدة، اذ تحدّدت مكانة اللغة العربية في فلسطين بوصفها لغة رسمية في البلاد بموجب المادة 82 من دستور حكومة فلسطين لسنة 1922 إبّان الانتداب البريطاني منذ سنة 1922 وحتى سنة 1947. أدى اعتماد هذه المادة في التشريعات الإسرائيلية عند قيام اسرائيل، لمنح مجموعة واسعة من الحقوق للناطقين باللغة العربية. في المقابل، فإنَ المكانة الفعلية للغة العربية بعيدة كل البعد عن مكانتها المنصوص عليها في القانون الانتدابي.
اقتراح تثبيت مكانة اللغة العبرية كلغة رسمية رئيسة ووحيدة، وإلغاء مكانة اللغة العربية كلغة رسمية
تناولت وسائل الاعلام والصحافة، قبل بضعة اشهر قليلة، خبر مفاده ان وزارة التربية والتعليم تنوي اخراج تدريس اللغة العربية من المناهج المتبعة في المدارس العبرية. وأثار الخبر ردود فعل معارضة في أوساط واسعة تهتم بدفع العلاقات وتعزيزها بين الأقلية العربية وبين الأكثرية اليهودية في اسرائيل، وفي الوقت الحالي، تراجعت وزارة المعارف عن هذا المُقترح إلى حين بلورة منهاج نواة جديد. ومنذ ذلك الحين لم تمرّ إلا فترة زمنية قصيرة حتى وُضع على طاولة الكنيست اقتراح قانون جديد تقدّم به أعضاء كنيست من كتل اليمين يرمي إلى تثبيت مكانة اللغة العبرية كلغة رسمية رئيسة ووحيدة، وإلغاء مكانة اللغة العربية كلغة رسمية رئيسة.
فمنذ أكثر من عشر سنوات تمّ طرح عدة مشاريع قوانين لإلغاء أو إعادة النظر في المادة 82 الخاصة بالمكانة الرسمية للغة العربية. طُرح على جدول أعمال الكنيست في العام 2011 مشروع قانون من قِبل عضو الكنيست ميخائيل كلاينر، وقد جاء هذا المشروع كردّ فعل على قرار محكمة العدل العليا، الملف رقم 4112 لسنة 1999، عدالة ضد بلدية تل أبيب- يافا، والذي قضى بإلزام استخدام اللغة العربية على اللافتات البلدية في المدن المختلطة.
هذا ودعا مشروع القانون هذا الى تغيير المادة 82، وإلغاء المكانة الرسمية للغة العربية، والإبقاء على اللغة العبرية اللغة الرسمية الوحيدة في إسرائيل. سُحب هذا المشروع من على جدول الأعمال، ولكن أثيرت هذه القضية مجدّدًا في الحلبة السياسية بين العامين 2006-2007 على خلفية الممارسات الحثيثة للكنيست الـ 16 من أجل وضع دستور يشتمل من بين عدة أمور أخرى على بند يتعلّق بـاللغة.
لم تتمكّن مداولات لجنة الدستور من استيفاء مناقشة الموضوع، الا ان هذه القضية لا تزال تثار من حين لآخر بصورة متواصلة من خلال تقديم مشاريع قوانين. اقترح عضو الكنيست روبرت طيبايب أن تبقى العبرية اللغة الرسمية، في حين تكون اللغة العربية “لغة رسمية ثانوية” إلى جانب الروسية والإنجليزية. بينما منح عضو الكنيست أرييه إلداد العبرية مكانة “لغة الدولة” واقترح على الناطقين بالعربية أن يتمتعوا بـ “اهتمام خاص” يتم التعبير عن ذلك في الإعلانات الخاصة بالسكّان العرب وكذلك على اللافتات في أماكن سكناهم. يتناول “مشروع القانون الأساس: إسرائيل- الدولة القومية للشعب اليهودي”، الذي اقترحه عضو الكنيست آفي دختر في العام 2011، طيفًا واسعًا من القضايا ذات الصبغة الرمزية، ومن ضمنها اللغات الرسمية.
ودعا هذا المشروع إلى إلغاء المكانة الرسمية للغة العربية لصالح “المكانة الخاصة”. وفي الصيغة الجديدة لهذا القانون، والتي اقترحها عضو الكنيست ياريف لافين مؤخرًا، تم تحديد مكانة اللغة العبرية فقط، ومُنح المشرّع الحق في مناقشة الحاجة للاعتراف بمكانة لغات أخرى.
حتى اللحظة الحالية، فإنَّ صيغة الدستور لا تزال بعيدة عن مرحلة التنفيذ، كذلك فإن المادة 82 بقيت على حالها. وعلى الرغم من هذا يبدو ان تطبيق الاقتراحات المذكورة، من الناحية العملية، لن يحمل أيّ تأثير جدي على مكانة اللغة، فاللغة العبرية تعتبر اللغة المهيمنة في جميع الاصعدة، فيما تغيب اللغة العربية عن الحيّز العامّ، رغم كونها لغة رسمية. اذ تقلص استخدام اللغة العربية لينحصر بالمجتمع العربيّ داخل البلدات العربية فقط، فمن يمر في شارع من شوارع المدن والقرى العربية، سيجد أن العربية متمثلة على لافتات المرور التابعة لوزارة المواصلات الإسرائيلية، أكثر بكثير من تمثلها على لافتات الورشات والمصالح التجارية الخاصة سكان العرب في الداخل الفلسطيني، علما بأن اللغة التي يكتبها المواطن على هذه اللافتات هي محض اختياره. فيما يفضّل اللغة العبرية او الانجليزية على العربية، ناهيك عن استخدام مصطلحات لغوية اثناء الحديث، فاذ صعب على شخص الايضاح او تفسير فكرة يتناول المرادفات العبرية لايصال الفكرة!، وهنا تجدر الاشارة الى انه قبل ان نوجه إصابع الاتهام نحو سياسة تسعى إلى طمس هويتنا، علينا ان نسال انفسنا نحن، ماذا فعلنا للمحافظة على كياننا اللغوي، ماذا قدمنا لتراثنا المتبقي من رائحة الوطن!.
وحول هذا الموضوع سعى موقع “الطيبة نت” الى اجراء لقاء مع المربية سهام ادريس، التي اجرت بحثا واسعا في موضوع تهميش اللغة العربية، في المرافق العامة واللافتات الخاصة بالمصالح التجارية لدى عرب الداخل الفلسطيني، وفي حديثنا مع المربية سهام ادريس، قالت : “هذا اليوم كان في الأفق ولا غرابة… بمعنى أنه كان متوقعا ولعله نتيجة حتمية لسلسلة الممارسات المنتهجة بحق اللغة العربية في البلاد على مدار عقود، والتي من شأنها أن تكون حافزا للكثير من اليهود المتطرفين بالمطالبة علنا بإقصائها وتهميشها كجزء من تهميش الناطقين بها والنيل من هويتهم ومكانتهم الإثنية والدينية”.
واضافت :” إن قضية السياسة اللغوية في إسرائيل هي الأكثر تعقيدا منها في أي دولة أخرى في العالم، وذلك بسبب إشكالية العلاقة بين العرب كأقلية محتلة واليهود كأغلبية حاكمة تسعى من جهة لفرض سيطرتها وثقافتها على الأقليات كما تسعى من جهة أخرى إلى إضعاف الهوية العربية والنيل بشتى الطرق من الذاكرة الجماعية للفلسطينيين في الداخل”.
علينا أن ندرك أن لهذا المخطط أبعاده الجادة
كما وذكرت المربية سهام ادريس:” لذا علينا أن ندرك أن لهذا المخطط أبعاده الجادة على الكيان العربي الفلسطيني. وأن هذه الأصوات التي تسعى لطمس اللغة العربية والحط من شأنها لحساب اللغة العبرية إنما تتغذى من فكر أيديولوجي صهيوني بحت”.
وتابعت:”إن الظروف التاريخية والسياسية والاجتماعية التي يعيشها الفلسطينيون في إسرائيل يكسب اللغة العربية مكانة خاصة ومختلفة كلغة أقلية سكانية، والتعامل معها يجب أن يتم وفق اعتبارات خاصة أيضا تختلف عن تلك التي تنتهج في أي دولة في العالم فيها أقليات سكانية ولغوية”.
العقود الستة الأخيرة كانت الأكثر خطورة عليها بعد أن نافستها اللغة العبرية
ومضت قائلة:” ليس لأحد أن ينكر أن اللغة العربية كانت اللغة الأصلية في فلسطين على مدى قرون طويلة، وعلى الرغم من وجود لغات أخرى رسمية نافستها في حقب تاريخية مختلفة كالتركية والإنجليزية إلا أنها حافظت على حيويتها كل هذه السنين. لكن العقود الستة الأخيرة كانت الأكثر خطورة عليها بعد أن نافستها اللغة العبرية واتخذت مكانها كلغة رسمية في البلاد. ومع بقاء اللغة العربية لغة رسمية ثانية وفق التصريح المؤسسي والقانوني إلا أن هناك هوة كبيرة وتناقض ما بين السياسة المعلنة والسياسة الخفية، فالممارسات اللغوية المنتهجة تعكس تمثيلا جزئيا للغة العربية مقابل هيمنة اللغة العبرية وسطوتها ، وهذا ليس صدفة أبدا!، فإذا كانت هناك مخططات خفية لتهميش اللغة العربية والناطقين بها فلماذا نكون نحن العرب شركاء بالفعل في تطبيق هذه المخططات دون وعي منا!؟”.
لماذا نساهم في تآكل لغتنا على حساب هويتنا القومية!
واكملت:” لماذا تهيمن اللغة العبرية على حياتنا اليومية ، في حديثنا وعلى لافتات المحال التجارية والورشات!؟ لماذا نساهم في تآكل لغتنا على حساب هويتنا القومية، إذا علمنا أن اللغة مركب هام ورئيس في هويتنا الوطنية!؟ وكيف لنا أن نواجه تلك الأصوات اليمينية التي تريد تهميش لغتنا فتهميشنا ولسنا غيورين عليها أصلا ! كم منا يعي خطورة ما تصنعه أيدينا؟”.
حيوية اللغة تقاس بمدى هيمنتها في المشهد العام ومدى تداولها
واستمرت قائلة:” إن حيوية اللغة تقاس بمدى هيمنتها في المشهد العام ومدى تداولها في الممارسات اليومية ، وعدد الناطقين بها. برأيي لا يكفي أن تكون لغة الصلاة والكتب الدينية لتحافظ على حيويتها. والتجربة في تاريخ اللغات خير برهان ، فقد كانت اللغة العبرية يوما ما حين عاش اليهود في اوروبا لغة ميتة ، كانت لغة الكتاب المقدس والصلاة فقط . إلى أن تم إحياؤها من جديد لتأخذ مكانتها بين اللغات الحية . وفي هذا جواب لمن يرى أن اللغة العربية لن تضيع لأنها لغة القرآن. فإن حفظها القران فهل يحفظ لنا هويتنا وذاكرتنا الجماعية هنا في فلسطين!!، الكثيرون بيننا الذين أثبتوا ازدواجية وتناقضا فيما يتعلق بالهوية القومية ، فهم من جهة يعرّفون أنفسهم كعرب فلسطينيين ومن جهة أخرى فإنهم لا يعملون على تعزيز هذه الهوية وتغذيتها بأهم مركب ألا وهو اللغة!! كم تستفزني الحوارات التي تجري بيننا في العبرية! كم تضايقني اللافتات المكتوبة بالعبرية والإنجليزية في الشارع العربي، لماذا يفضل أصحاب المحلات التجارية اللغتين العبرية والأنجليزية على لغتهم ولغة آبائهم ! ألا يعلمون أنهم بهذا يرفعون من مكانة هاتين اللغتين ويحطون من قدر لغتهم!! ولماذا لا تقوم السلطات المحلية بإجبار المواطنين على الالتزام باللغة العربية أولا في لافتات محلاتهم”.
واختتمت حديثها قائلة:” لكل هؤلاء أقول تعالوا نعيد حساباتنا من جديد ولنرد على كل من تسول له نفسه النيل من هويتنا أو تهميشنا بالفعل لا بالكلام ، تعالوا نعزز انتماءنا وهويتنا بأبسط ما يكون: نخفف ما استطعنا من المفردات العبرية في أحاديثنا اليومية، نكتب تعقيباتنا ورسائلنا بالعربية ، نعيد اللغة العربية إلى لافتات المحال التجارية وإلى الشارع العربي، تعالوا نكون عربا فلسطينيين بمعنى الكلمة!!”.