لا شك ان قيام الفعاليات المحلية في الطيبة من احزاب سياسية ومؤسسات اهلية بأخذ دور القيادة في ظل تفاقم اعمال العنف والقتل في المدينة ,امر محمود وبل ويصب في صلب العمل المجتمعي الحقيقي ,لكن ودون التقليل من اهمية هذه الفعاليات والدور الذي تقوم به الا ان لا مخرج حقيقي من ازمة العنف دون وجود قيادة محلية منتخبة تستمد شرعيتها الاخلاقية والقانونية والديمقراطية من الناس ,أي مجلس بلدي منتخب برئيسه واعضائه ,يكون له عين ويد للداخل المجتمعي واخرى امام الخارج من سلطة ومؤسسات قطرية وغيرها.
قد يقول قائل وبصدق ,ان اغلب بلداتنا العربية لديها قيادات محلية ولكنها تعاني من افة العنف وان هذه ازمة مجتمع بأسره وليست ازمة للطيبة لوحدها ,فلماذا قيادة منتخبة في الطيبة هي مخرج؟
اتفق مع هذا التساؤل ولكي اجيب عليه ,او على الاقل احاول , سأبدأ من النهاية .
لا يخفى على احد ان الخروج من دائرة العنف يحتاج الى رزمة بعيدة الامد متعددة الجوانب ومترابطة ,ولا تقتصر على المظاهرة ورفع الشعار والخطابات مع اهميتها المرحلية ودورها في ادارة الدواليب المجتمعية الانية ,وانما تشمل ايضاً هذه الرزمة :
– جهاز تربية وتعليم يركز بالاساس على التربية بمفهومها الاوسع :تربية على القيم الانسانية والهوية وتقبل الاخر والحوار وغيرها دون التقليل من اهمية التحصيل العلمي ,بحيث يشمل المنهجي (المدارس) وغير المنهجي (نوادي ,مراكز جماهيرية …) ,واستطيع ان اقول ان هناك نواة في طور النشؤ لهيئة بامكانها تطوير هكذا مشروع .
– حراك ثقافي من بنية تحتية الى فعل ثقافي يشمل بالاساس انتاجه ولكن ايضاً استهلاكه يكون في صلبه تعزيز الهوية والانتماء بشكل مباشر او غير مباشر
– تطوير منطقة صناعية عصرية تفتح افاق للتشغيل من جهة وفرصة لنمو اقتصادي للبلد ,اذ ان وضع اقتصادي متردي هو تربة لنمو الاغتراب وبالتالي للعنف
– هناك حاجة لتسييس الناس والرفع من مشاركتها السياسية المتعلقة بشؤونها اليومية الحياتية ومنها لشؤونها الوطنية العامة وهذا يتطلب من الاحزاب السياسية ان تحسن من ادائها وتبتكر اساليب جديدة لخطابها وخاصة بين الشباب ,فبدون احزاب سياسية فاعلة ومبادرة وقريبة من نبض الشارع والشباب من جهة وتقوده من جهة أخرى لا مشاركة سياسية .
هذه بعض من جوانب الرزمة المركبة ,التي قد اكون قد غفلت عن جوانب أخرى لها قد تشملها فلست من اهل الاختصاص , هي برنامج لسنوات ولذلك تحتاج الى قيادة بلدية قادرة على اخذها وتطويرها, وبدون ان تكون هذه القيادة متمثلة بمجلس بلدي يحمل صفة “السلطة ” المحلية لا يمكن تطويرها اذ ان السلطة المحلية هي التي تحمل الصلاحيات القانونية والاهم من ذلك لديها شرعيتها لدى الجمهور
هذا لا يعفي ولا يقلل من دور المجتمع الاهلي من احزاب وجمعيات ومبادرات مجتمعية ,هي بالتأكيد عامل محرك ومهم في المجتمع لكنه يجب ان يكون مكملاً ومراقبا وناقداً اذا اوجب وليس بديلاً عن “السلطة” في صنع القرار وتطبيقه .
وهنا عودة على ذي بدء: لماذا من الممكن ان ينجح هذا في الطيبة ؟
ادعي ان لكل ازمة خياران ,اما ان تكون منحدر للنقوص والانهيار واما ان تكون رافعة للنهوض والخروج والتطور ,ان الازمة التي تمر بها الطيبة تضع امام ابنائها وبناتها هذا التحدي وهذا الخيار ,اما الاستسلام والانهيار الى الهاوية ,واما التصدي للجنة المعينة والعمل على بناء بديل بقيادة محلية لا تحمل مرجعية عائلية تخرج للناس ومع الناس برزمة مخرج تكون القيادة المحلية جزءً من هذه الرزمة وفي الطيبة هناك نساء ورجال يملكون ان يفعلوا ذلك ,فهل يفعلون ؟
د. نافع حاج يحيى