في معظم الدول العربية تكون انتخابات البلديات قريبة الى اتتخابات الحكومة، فيكون التنافس على الامساك بزمام الامور فيها له قيمة عالية، لكن ما يميز الانتخابات البلدية داخل الوسط العربي في الخط الاخضر، هو ان البلدية تنوب عن الوزارات، ففي البلدية يكون الرئيس مسؤول ليس فقط عن التطوير العمراني والبنى التحتية والانشاءات وغيره من المشاريع الخدماتية والخوارط الهيكلية والمناطق الصناعية ورخص البناء وما تتعرض له المنازل من هدم ومصادرة، بل هو مسؤول عن ملف التعليم والمعارف، من انشاء البساتين والمدارس لتعيين الموظفين والمساعدين والمرافقين وهذا يعني وزارة التعليم والمعارف ووزارة العمل والتشغيل. كذلك عن الصحة ومراكز رعاية الطفل والمسنين. وعن عمل مكتب الشؤون الاجتماعي وهذا يعني وزراة الرفاه الاجتماعي، واصدار بطاقات شخصية وهذا يعني مكتب الداخلية.
فالبلدية في الداخل هي عبارة عن ولاية بحد ذاتها وان ارتبط كل شيء فيها بالموازنات التي تضعها الحكومة. وان كان الرئيس منتخبا من قبل الجماهير فهو يتبع تلقائيا لوزير الداخلية في كل شيئ حتى ان من صلاحية الزير عزل وفصل رئيس البلدية
لا شك ان رئاسة البلدية تشريف ومنصب وجاه، لكنها تعتبر تكليفا اضعاف التشريف اذا المرشح الذي تقدم اليه يعي معنى الامانة، فان كان المرشح لا يؤمن بان له رب سيحاسبه وتاريخ سيذكره فعلى الناخبين اخذ زمام المبادرة والتوقيع على ميثاق شرف يلزم كل من سيرشح نفسه لعضوية ورئاسة البلدية ان يذعن لقرار اللجنة التي ستشكل هذا الميثاق في حال قررت هذه اللجنة محاسبته او ايقاف عضويته وعزله. ويكون هذا الميثاق من صياغة اشخاص حقوقين ويعملون بالقضاء، وان تتكون لجنتهم من اكثر من عشرين محاميا ليس لهم اي توجه ايدولوجي، وان يعتمدوا الميثاق في المكاتب الحكومية ذات الصلة. حتى اذا عارض العضو او الرئيس قرارهم يستطيعون من خلال توثيقهم لهذا الميثاق التوجه للقضاء واجباره على التنازل والقبول.
قد يكون الامر ضريا من الخيال او فيه من الشدة والقسوة، ولكن لمن يعلم علم اليقين بانه قادر على حمل هذه الامانة ومدركا بان منصبه تكليفا قبل ان يكون تشريفا سيقبل ويدعم مثل هكذا توجه، وقد اكون مخطئا بتوجهي هذا فما سمعته وما اقتنعت به هو مجرد رأي وليس بالضرورة ان يكون صائبا.
لا شك ان البلدية والوصول اليها ادى الى نزاعات وتشنجات وخلافات عائلية وشخصية وفي بعض الاحيان حزبية، فلتكن في المرات القادمة هي ما توحد شملنا وعمل على اصطفافنا يدا واحدة نحو رقي البلد والمجتمع لما فيه مصلحة عليا لنا جميعا.
البلدية لاي بلد مصدر عز ومجد وعلو وشموخ وثقافة وحضارة او مصدرا للفساد والتخلف والرجعية، فما يعانيه الوسط العربي من قبل المجالس المحلية والبلديات يفوق الحديث عنه باسطر وصفحات انهيار شبه تام بمرافق الحياة الاساسية ناهيك عن التميز العنصري السلطوي من قبل الحكومات المتعاقبة، فاذا لم تتكاتف الجهود من جميع شرائح المجتمع من رؤساء ومرؤسين لا اقول يبقى الحال على ما هو، بل للاسوأ والاسوأ، ورحم الله من عرف قدر نفسه.