حين يصمت العقلاء… يتحدث السفاحون، بقلم : ناضل حسنين

من يقول انه فوجئ بما وقع في فرنسا خلال 72 ساعة وسقوط الضحايا، فإنه يخدع نفسه ويحاول تضليل الراي العام في فرنسا وفي بقية الدول الاوروبية .

عملية كهذه كانت مسألة وقت وعمليات مماثلة تبقى متوقعة في بلدان اوروبية اخرى والظروف التي تعيشها اوروبا حاليا تدفع باتجاه مثل هذه العمليات الدامية التي ينفذها ارهابيون تحت راية الاسلام والاسلام منهم براء.

لقد نضج خلال العام المنصرم امام ناظرينا جميعا قطبان ينذر الصدام بينهما بشراسة مميتة وبدمار فادح عند وقوعه مهما كان طفيفا.

القطب الاول: كل من يتابع الشأن الاوروبي لا بد ان يلاحظ التجاذبات العرقية والدينية في الدول الاوروبية التي تطغى فيها “الاسلام فوبيا” (الكراهية تجاه الاسلام) و”الاكزينو فوبيا” (كراهية الاجانب).

ولا بد للمتابع ان لاحظ ظهور حركة شوفينية واسعة النطاق في المانيا بين عشية وضحاها، اطلق عليها “بيغيدا”، وهي تدعو في ظاهرها الى الحد من انتشار الاسلام في المجتمعات الاوروبية، بينما في باطنها ليست سوى تنظيم قائم على أحد اوجه الفكر النازي تحت رداء الحفاظ على المجتمعات الاوروبية. وليس سرا ان من ساعد على ظهور هذه الحركة “الوقحة” بهذه السرعة هو تنظيم داعش وغيره من التنظيمات الارهابية حين تبث المشاهد الفظيعة لقطع رؤوس صحافيين اجانب على قنوات يوتيوب.

الى هذا، اصبح من السهل على من يكرهون الاسلام وفي ظل الجرائم البشعة التي يرتكبها ارهابيون باسم الاسلام في الشرق الاوسط، ان يحشدوا جماهير اوروبية لمعاداة التنظيمات الاسلامية أي كانت، أي توسعة “الاسلام فوبيا”.

القطب الثاني: هرع آلاف الشباب الاوروبيين الى سوريا والعراق والتحقوا بصفوف داعش كل بدوافعه المختلفة، فحاربوا وقاتلوا في معارك لا تعرف المعايير الحديثة للحروب. والآن بدأ بعض هؤلاء بالعودة الى بلادهم الاوروبية وقد تعلموا نحر البشر الاحياء وقطع الرؤوس دون ان يرتجف لهم جفن.

هؤلاء الشباب توجهوا الى ساحات القتال الى جانب داعش ليس بدافع فهمهم العميق للإسلام او حرصهم عليه، بل لأن في كل منهم دافع شخصي يبحث عن تجسيده عبر حملات التجنيد التي تتحدث اليهم مباشرة عن حرب اسلامية مقدسة وعن نصرة الاسلام ونجدته، تتحدث بمفردات المال وجهاد النكاح… حملة تؤجج العنف الكامن في كل من هؤلاء المجرمين اصلا فتدفعه الى الهرولة الى الحدود التركية السورية. ومجرد عبور الحدود يصبح قطع رأس الانسان عملا مشروعا يتبعه تكبيرات وتهاليل الاخرين. هنا على هذه البقعة من الدنيا يفرح الجمع لرجم رأس فتاة حتى الموت بعد ان دفنوها في حفرة حتى عنقها.

اما ممارسات داعش الاخرى فحدث ولا حرج، من محاربة كل من ليس مسلما سنيا، حتى اغلاق المدارس الى ان يتم اعداد مناهج التاريخ الجديد. اعادوا الى التاريخ الحديث مفاهيم السبايا وملك اليمين ودفع الجزية وحرموا مشاهدة التلفاز والفن بكل اشكاله … هدموا حتى دور العبادة غير السنية!

هذان وجهان لأحداث يدور طرفها الاول في اوروبا ويدور طرفها الاخر في “دولة الاسلام في العراق والشام”. وما حدث في باريس وفي فرنسا عموما خلال الايام الاخيرة ليس سوى اول مناوشة بين هذين القطبين، وما يثير القلق والحزن معا ان هذه كانت فقط البداية.

يدفع العالم الآن ولا سيما الدول الغربية وحلفاؤها العرب، ثمن الصمت على ظهور ونمو وتعاظم هذه المجموعات المتطرفة … عندها فرك كل هؤلاء الكفين فرحا بأن ايام بشار الاسد باتت معدودة امام بطش هذه التنظيمات… ولكن الآن خرج السحر على الساحر.

Exit mobile version