ادرك تماما ان ما سأقوله هنا قد لا يعجب البعض وقد يلومني فيه لائم ولكن ما ضير ان ننظر الى ذات الموضوع من زاوية مختلفة. قبل كل شيء، لا خلاف على ان الإساءة للنبي الكريم جرم كبير وذنب عظيم، وما دام المسلمون يحترمون أديان الآخرين وأنبياءهم فعلى الأمم الأخرى ان تحترم وتجل النبي محمد بن عبد الله عليه صلوات الله وسلامه.
حين تنتقد رجلا اسود يتهمونك بالعنصرية وقد تتعرض للمعاقبة القانونية، وحين تتحدث بالسوء عن النساء، يتهمونك بالشوفينية والاساءة للجنس اللطيف، وهناك من سيدمغك بـ”عدو المرأة” المتخلف، وحين تتحدث عن اليهود ولو بنقد طفيف يتهمونك باللاسامية وقد يكون مصيرك السجن، اما عندما تهين الرسول الكريم فهذا يصنف في خانة حرية التعبير.
اين الخلل إذن ولماذا نحن الى هذا الحد من الضعف لدرجة ان يستهين بنا كل من شاء، متى شاء وكيفما شاء؟ فلقد لاحظنا قبل عدة سنوات الاساءة تلو الاخرى للنبي محمد صلى الله عليه وسلم. مرة من رسام الكاريكاتير الدنماركي، كورت فيسترجارد، وتارة في فيلم يكاد يكون اباحيا لا تتجاوز ميزانيته مصروف الجيب لأي شاب عربي. حتى ان بابا الفاتيكان السابق بنديكت استرسل هو الاخر في تلك الفترة واساء في تصريح له للإسلام.
بعد كل هذا لم يكن بوسعنا سوى التعبير عن الغضب الشديد الذي تراوح بين حرق الاعلام والدوس عليها في الطرقات وحتى مقاطعة الجبنة الدنماركية فقط دون الشوكولاتة الدنماركية. اعجب البعض من الطرف الاخر برد فعل المسلمين وراح يتسلى بإغضابهم بين حين وآخر، فرأينا كيف عاودت صحف أخرى في اوروبا نشر كاريكاتيرات الرسام الدنماركي ومنها مجلة “شارلي ايبدو”، وكان هذا في سبتمبر من عام 2006 اي قبل ثماني سنوات ونصف تقريبا.
وبعد ان هدأت الامور ونسيت اوروبا نقطة ضعفنا، جاء “الانتقام” من صحيفة “شارلي ايبدو” قبل عدة اسابيع ليضعنا على فوهة البركان من جديد. يحضرني على الفور السؤال: لماذا جاء الانتقام من صحيفة “شارلي ايبدو” وهي ليست اول من نشرت الرسومات المسيئة، وانما نسختها بعد فترة عن الصحيفة الدنماركية “يولاندس بوستن” صاحبة الرسومات التي نشرتها قبل غيرها. لماذا لم ينتقموا من الرسام فيسترجارد، صاحب الكاريكاتير الاصلي او من الصحيفة الدنماركية التي نشرتها لأول مرة؟ بالطبع هذه تساؤلات وليست دعوة الى فعل ذلك!
لقد اصبحنا نحن المسلمون رهن تهور أي مشبوه او معتوه ينشر اساءة للنبي الكريم في أي دولة غربية ليثور قرابة مليار ونصف المليار مسلم في العالم احتجاجا على هذه الاساءة… فيسيل حبر الصحافة ولعاب السياسيين وترتجف عروش ملوكنا وكراسي زعمائنا خجلا من شعوبهم وحرجا أمام اصدقائهم الغربيين، ثم يهدأ كل شيء في انتظار المجنون القادم الذي سيهز العالم الاسلامي بخربشة جديدة.
أليس من الأولى بنا نحن المسلمين، اللجوء الى الغضب الرسمي بدلا من الغضب الشعبي العشوائي العقيم ؟ لأن الغضب الرسمي برأيي اشد ايلاما للدول الغربية ! ومثلما يخضع للمساءلة القضائية العاتية كل من ينكر المحرقة اليهودية في معظم دول العالم يجب ان يتعرض للمساءلة القضائية كل من يتعرض للمسلمات الدينية واولها الاسلامية اينما كان !!!
فكما فعل هذا ابناء الشعب اليهودي بمساعدة اسرائيل ومرروا قوانين في مختلف الدول تجرم ناكري المحرقة، على المسلمين كذلك بمساعدة 57 دولة اسلامية في العالم ان يسعوا الى الدفع نحو سن قوانين تحمي المقدسات الدينية أي كانت في الدول غير المسلمة كي يسحبوا المقدسات الدينية من ايدي العابثين الذين يعتبرونها مواضيع غير محصنة تندرج ضمن حرية التعبير.
لقد شهدت فرنسا نفسها وقائع اضطرت فيها الى محاكمة بعض من شككوا في عدد ضحايا النازية من اليهود ابان الحرب العالمية الثانية، والكاتب الفرنسي الكبير روجيه جارودي قبع في السجن لمجرد التشكيك بهذه الارقام في كتاباته.
لذا اعتقد ان حقنا كمسلمين كائن في ذمة زعاماتنا قبل ان يكون متناثرا على وجه البسيطة ليعبث به كل من يشاء بلا رقيب … فاعقلوا وتوكلوا!