قدسية الدين فوق حرية التعبير، بقلم : الشيخ رأفت عويضة
انه لمن المفارقات العجيبة الغريبة في اوروبا أن أي تهمة أو اساءة او طعن بشخص ما من قبل مؤسسة أو هيئة أو إنسان، يلاحَق المدعى عليه قانونياً أو شرعياً، وتقام العقوبة تبعاً لحجم القضية وجزاءاتها، لكن في حال الطعن بمقدس، أو شعب وأمة فإن القضية مسألة تدخل في أبواب حرية الرأي، وبالتالي صار سب الأديان والتعرض للأنبياء، أو الرموز الكبيرة الذين أقاموا العدل، ورسموا خط الإصلاح الاجتماعي للشعوب، من الأمور العامة، رغم أن تحدي المشاعر غالباً ما يثير العداوات والقلاقل والحروب، وقد عرفنا كيف ظلت حروب المذاهب، والأديان في كل أمة حدثاً تاريخياً لم تبرأ منه إلا بعد انتشار الوعي وجعل القانون ملزماً بالحقوق والواجبات..
ولما كانت مسألة الدين في حياة الإنسان، واحترام الخصوصيات والمقدسات الدينية عند كل الديانات تعد من الأمور التي لا يُقبَل المساس بجوهرها أو التعدي على رموزها، إذ تعتبر من الثوابت والمسلمات العقدية التي لا جدال فيها، وقد كفلت لها القوانين والتشريعات حمايتها كما يحمي الأفراد سواء بسواء. لم يكن أمراً غريباً أن تُستفز الشعوب عندما يتعرض أنبياؤها ومقدساتها إلى التحقير لتوقف هذا العبث الاستفزازي. وفي مقابل ذلك تتجلى لنا في كافة ثقافات تلك الديانات قيم ومبادئ تكفل للإنسان إنسانيته وكرامته كحرية التعبير بمختلف أشكالها.
ويحق لنا هنا ان نسأل، هل الحق العام في المواضيع الدينية عندما تتعرض للإهانة، يُسقطه الحق الخاص الذي يتستر خلف مبدأ الشرعية القانونية ؟ اليس قذف إنسان ما والتشهير به هو خط أحمر أمام القانون، ومع ذلك لا ندري لماذا تتصرف بعض وسائل الإعلام بما تعتبره حرية للرأي كما فعلت المجلة الفرنسية شارلي ابيدو التي اعادت نشر الرسومات المسيئة تحديا واستفزازا، بينما لو قيل عن الصهيونية بأنها ضرب من العنصرية، أو قيل عن السود بأنهم عبيد، ، فإن ذلك يعتبر عنصرياً يقع قائله تحت طائلة القانون ، بينما لو تعرض نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) أو غيره من الأنبياء للاساءة، لا يعتبر ذلك تحقيراً لاكثر من مليارد من المسلمين! لماذا تتعامل اوروبا بازدواجية في المعايير في الاساءة الينا والى نبينا تحت شعار “حرية الرأي والتعبير” بينما تمنع ذلك عندما يتعلق الامر بالديانة المسيحية او اليهودية ،فمثلا جريدة “Jyllands Postery” التي نشرت صورًا كاريكاتيرية مسيئة إلى نبينا محمد – صلى الله عليه وسلم – كانت قد رفضت عام 2003م كاركاتيرًا يسيء إلى سيدنا المسيح – عليه السلام – وكان محرر الجريدة السيد “Christoffer zieler” بَرَّرَ رفضه له قائلاً: إنه لا يعتقد أن تلك الصورة مضحكة فقط؛ بل هي مسيئة للمشاعر الدينية للمسيحيين.
وفي العام الماضي ادانت محكمة “باريس” إعلانًا يُصَوِّر السيد المسيح – عليه السلام – بين عارضات الأزياء شبهَ عار، كما أدانت المحكمة منظمة “الدفاع عن حقوق الإنسان” لأنّها دافعت عن الإعلان بحجة “حرية الرأي والتعبير”. وكذلك أدانت محكمة “باريس” صور إعلانات فيلم “ave maria” للمخرج “Jacques Richard” وأمرت برفعها عن المنظر تمامًا لإساءتها لمشاعر المسيحيين.
وفي بريطانيا مُنِعَ عام 1996م توزيع فيلم “Visisons” الذي كان يدور حول حياة إحدى القديسات؛ لأنه كان يجرح مشاعر المسيحيين لإساءته إلى القديسة.
كذلك الامر فان الحكومات والمحاكم الأوربية لا تسمح بأي شكل بظهور أي مقالة أو كاريكاتير أو مقابلة تلفزيونية أو كتاب يدعو إلى معاداة الساميّة، وليس بوسع مؤرخ أو باحث أو كاتب مهما كان شأنه أن يجرؤ على إنكار “الهولوكوست” الذي تعرض له اليهود. وقد تعرض المفكر الفرنسي المسلم “رجاء جارودي” للمحاكمة والإدانة بأنه أنكر “الهولوكوست” كما حوكم المؤرخ “لويس برنارد” وجرت إدانته؛ لأنه أنكر “الهولوكوست” وصَرَّح بأنه كان مجرد تلفيق ولا علاقة له بالواقع التاريخي، فذاق مرارة السجن لمدى ثلاث سنوات.
فهل “حريّة الرأي والتعبير” التي يدافع عنها الأوربيون يا ترى هي فقط لمؤاخذة ومعاقبة المسلمين، وتجريم الإسلام والإساءة إليه؟!
ثم يلومون المسلمين بعد ذلك لماذا يثورون امام إساءاتهم المتعمدة ولماذا ينتتصرون لرسولهم صلى الله عليه وسلم في مواجهة اعمالهم الاستفزازية المبيتة! متجاهلين ان ردود الفعل في البلاد العربية والإسلامية تاتي في إطار قناعة المسلمين أن هذه الرسوم والكتابات المسيئة تنال من عقائدهم وثقافتهم وقيمهم وانها إهانات متعمدة موجهة إلى كل فرد فيهم وإلى ثقافة الأمة وهويتها، ولأنهم موقنون أن ما قامت به هذه الصحيفة وغيرها هو أمر غير بريء ويخالف تقاليد الصحافة ومواثيق الشرف الصحافية وحقوق الإنسان وقوانين الدول الأوروبية.
ان على الاوروبيين ان يدركوا ان العقيدة الإسلامية ذات شأن مختلف عما هو عند الاخرين،فالمقدسات لدى المسلمين لها طابع خاص فهي جزء من ثقافتهم وتراثهم وهويتهم بل وأنماط سلوكهم ولهذا فخدشها أو انتقادها أو الهجوم عليها إنما هو في الواقع هجوم على شخصية الفرد المسلم.
ونود ان نؤكد هنا ان الاسلام يقدس الحرية وعلى رأسها حرية التعبير،وان كان الاوروبيون يعتبرون حرية الرأي حقا فان الاسلام يعتبره واجبا ،وان كانت مواد الحرية دخلت دساتيرهم بعد الثورة الفرنسية (1789م)،وبعد الاعلان العالمي لحقوق الانسان (1948)،فانها مذكورة في القران والسنة منذ 1436 سنة،لكن وعلى الرغم من كفالة الإسلام لحرية الرأي والتعبير لدى الناس إلا أنه لم يترك هذا الأمر على إطلاقه، بل جعلها مقيدة ومحددة ضمن حدود وقيود وضوابط، تضمن عدم انتهاك حرمات الأديان أو الاعتداء على الأعراض أو التشهير أو الإساءة إلى الآخرين أو الى المقدسات وأماكن ودور العبادة.
وعلى الدول الاوروبية ان ارادت الامن والامان لنفسها وللبشرية قاطبة سن قوانين حماية دولية واستصدار قوانين وأحكام محلية تحرّم وتجرّم الاعتداء على الأديان والمقدسات والإساءة إلى الرموز الدينية·هكذا وهكذا فقط نجنب العالم صراعات وحروبات دينية قد تجاوزنا .
للاسف الشديد وبسبب اندفاعيتنا الدينيه وعدم المامنا بكل جوانب الامور السياسيه استطاع بعض الصحفيين المدسوسين في اوروبا ان يحولوا المعاداة لليهود من قبل الغرب الى المعاداة للاسلام والمسلمين
فالاعمال الارهابيه تصب في هذا الهدف وكذلك المظاهرات والانتباه الزائد للرسومات القبيحه لذا يجب تجاهلها والتعامل معها قانونيا