الشيخ كمال خطيب: دندنات حول الانتخابات

أما وقد قالت الحركة الإسلامية كلمتها حول الموقف من انتخابات الكنيست الصهيوني في بيانها الرسمي الذي صدر يوم 2015/2/13، فقد كان واضحًا وجليًا للقاصي والداني أن موقف الحركة الإسلامية ينبع من قناعتها وفهمها لطبيعة هذه المؤسسة التي اسمها الكنيست الإسرائيلي وأنها أصل من أصول المشروع الصهيوني.

صحيحٌ أننا نختلف إلى حد بعيد مع أعضاء الكنيست العرب، ولعل الخلاف يكون أبعد بكثير مع البعض منهم، ولكن ومع ذلك فإننا وإياهم نلتقي ضمن مركبات لجنة المتابعة العليا، التي نعتبرها المظلة العليا التي تظلنا والبيت الذي يجمعنا. ومن منظورنا في الحركة الإسلامية فإن لجنة المتابعة يجب أن تصبح هي مرجعية فلسطينيي الداخل، وأن يجري انتخاب أعضائها انتخابًا مباشرًا، حيث لا تزال بعض الأحزاب العربية تصر على رفضها الانتخابات المباشرة للجنة المتابعة، وتصر في المقابل على انتخابات الكنيست الصهيوني.

ما أريد قوله إن موقفنا في الكنيست وعدم المشاركة في انتخاباتها هو لذات الكنيست، وليس موقفنا متعلقا بهذا العضو أو ذاك وهذا الحزب أو الحزب الآخر، مع تأكيد قناعتنا أن الكنيست لا يعدو كونه بالنسبة إلى هؤلاء -من وجهة نظرنا- منبرًا استعراضيًا دون أن ننفي حسن النية عند البعض بالرغبة في خدمة شعبه من خلال هذا المنبر. ولكن حسن النية شيء والحقيقة والواقع شيء آخر.

إنه وبغض النظر عن عدد المقاعد التي يشغلها أعضاء عرب في الكنيست الأخيرة، أو عدد من سيشغلونها في الكنيست القادمة، وسواءً كانوا هم أحد عشر عضوًا أو أنهم سيكونون ثلاثة عشر أو خمسة عشر، وسواءً كانوا من أحزاب متفرقة أو سيكونون من قائمة مشتركة، فالعبرة هي بالنتائج وليست بالعدد ولا بالأسماء ولا بالعناوين.

صحيح أن من حق هذه الأحزاب وقياداتها ومرشحيها أن يبذلوا كل الجهود لضمان وصولهم إلى غايتهم “العظمى”، وأن يقنعوا أبناء الداخل الفلسطيني بجدوى مشاركتهم في الانتخابات، ولكنني أنصحهم وأذكرهم بالفارق الكبير بين الإقناع وبين الاستهبال، لأن شعبنا ليس (أهبل) لا في الماضي ولا في الحاضر، ولا كذلك في المستقبل القريب والبعيد. وإن من الاستهبال استمرار العزف على مقولة إن المشاركة في الانتخابات هي (مسؤولية دينية ووطنية وقومية) في إشارة واضحة وهمزٍ مبطن إلى أن من لا يشارك في الانتخابات فإنه لا مبالٍ ولا يقوم بواجبه الوطني أو القومي أو الديني. ولعلي أجزم أنهم لولا الحياء والمبالغة لقالوا إن من لا يشارك في الانتخابات فإنه ليس وطنيًا ولا قوميًا ولا يعرف الدين. وهذا ليس تحليلًا ولا استنتاجًا، بل إن أحدهم كتب ذلك بصراحة خلال محاولته التعقيب على بيان الحركة الإسلامية وموقفها من الانتخابات: (إن عدم المشاركة في التصويت لا يعني إلغاء الصوت، وإنما وفي إطار الحساب النهائي للأصوات، المقاطعون يخدمون الأحزاب الصهيونية الكبرى، وفي حالتنا يخدمون أحزاب الليكود والبيت اليهودي و”يسرائيل بيتينو” وغيرها). لا بل إنهم ذهبوا إلى القول إن من لا يشاركون في الانتخابات من الفلسطينيين مثلهم كمثل أحزاب اليمين الصهيوني، حيث كلا الطرفين يريدان إنهاء الوجود العربي من الكنيست. لا بل لقد ذهبوا إلى أبعد من ذلك بكثير من توزيع الشهادات والصكوك في الوطنية والدين لأنفسهم ونزعها من غيرهم لمجرد أنهم لا يريدون المشاركة في الانتخابات لما قالوا: (فكيف يقبل هؤلاء الذين هم من بني جلدتنا أن يكونوا مع أولئك في خندق واحد؟ ولماذا لا يُخفّفون قليلًا من حربهم ولو نكاية في اليمين؟!).

ثم إنني أنصحهم بعدم الزج باسم المسجد الأقصى وقضيته الطاهرة وبالدفاع عنه خلال مناكفاتهم الانتخابية. نعم! إنني أذكرهم بأن صراعهم “حسبما يقولون” هو مع الأحزاب الصهيونية، وإلا فما معنى ولماذا كلما “دق الكوز بالجرة” يقولون: وماذا تفيد المظاهرات والمسيرات؟ وماذا يفيد وأية نتائج يأتي بها مهرجان الأقصى في خطر؟ في إشارة واضحة إلى دور الحركة الإسلامية باستخدام المهرجان وسيلة للتحذير من المخاطر المحدقة بالمسجد الأقصى، محاولين بذلك القول إن المهرجان وسيلة ومنبر، والكنيست كذلك هي وسيلة ومنبر؟!

أية إرادة وأي شعب؟!

لست في معرض النقاش حول مضمون الشعار الذي يرفعهُ المشاركون في الانتخابات ضمن القائمة المشتركة؛ وهو “إرادة شعب”، ولكنني أجد نفسي ملزمًا للسؤال وبصوت عالٍ عن جواب هؤلاء حول نتائج الاستطلاع الذي أجرته صحيفة “هآرتس” وصدر يوم الجمعة الأخير 2015/2/20، وكان خاصًا بالناخبين العرب، الذي ولأهمية نتائجه فإنه كان العنوان الرئيس للصحيفة ذلك اليوم. ولعل اثنتين من النتائج يجب أن تستوقف أصحاب شعار “إرادة شعب”؛ أما النتيجة الأولى فإن ناخبي ومصوتي القائمة المشتركة بنسبة 60% منهم يؤيدون بل يطالبون بالمشاركة في حكومة برئاسة “يتسحاق هرتسوغ”، رئيس حزب “البيت الصهيوني”، وإن 70% من مصوتي القائمة المشتركة -أي الذين قالوا في الاستطلاع إنهم سيصوتون للقائمة المشتركة- قد قالوا إن الأولوية وما يجب أن يشغل اهتمام أعضاء الكنيست العرب هو الوضع الاقتصادي والمعيشي ورفاهية الإنسان العربي؛ مقابل 30% منهم من يطالبونهم بالاهتمام بالقضية الفلسطينية.

إن هذه النتائج يجب أن تكون هاجسًا وناقوس خطر، بل وصاعقة على قادة وأحزاب ومركبات القائمة المشتركة. إنها البوصلة الوطنية التي يزعم هؤلاء بأنهم يدافعون عنها بل إنهم رافعو رايتها دون غيرهم؛ هذه البوصلة تنحرف إلى درجة الدعوة للمشاركة والمطالبة بتكليف رئيس الدولة لـ”هرتسوغ” بتشكيل الحكومة، وأن يكون ممثلوهم في الكنيست جزءًا منها، وأن قضية الشعب الفلسطيني أصبحت في المرتبة الثانية بعد الرفاهية والوضع الاقتصادي.

فهل أصبح “هرتسوغ” و”ليفني” أمل مصوتي القائمة المشتركة، ناسين من هو حزب “العمل” الذي يرأسه “هرتسوغ”، والذي هو سبب مآسينا وجراحنا وكل الحروب التي استهدفت شعوبنا عامة وشعبنا الفلسطيني خاص؟ ومن هي حليفته “تسيبي ليفني”؟ إنها عميلة الموساد ووزيرة الخارجية التي نسقت مع حسني مبارك ليلة الحرب على غزة في العام 2008.

وهل سيعيد التاريخ نفسه للفضيحة التي ارتكبها هؤلاء في انتخابات 1999 يوم دعموا “باراك” ونادوا للتصويت له، مستخدمين سماعات المساجد والسيارات تجوب شوارع قرانا للخروج للتصويت لـ”باراك” ضد “شارون”، ثم ما لبث “باراك” بعد سنة واحدة (أي في 2000/9) أن ارتكب مجزرته وقتل 13 من أبناء شعبنا في انتفاضة الأقصى. فهل -حسب رغبة وميل 60% من مصوتي القائمة المشتركة- سنشهد دعمًا لرئيس حزب “البيت الصهيوني” “هرتسوغ”، وليكون السؤال: من الذين سيجلسون في خندق واحد مع الأحزاب الصهيونية، الذين لا يشاركون في الانتخابات أم الذين سيشاركون بها، أم أن “ليبرمان” و”بينت” هما صهيونيان فقط، بينما “هرتسوغ” و”ليفني” ليسا صهيونيين، أم أن هناك صهيونيا כשר وآخر ليس כשר؟!

وإذا حاول قادة ومرشحي مركبات القائمة المشتركة وأصحاب شعار “إرادة شعب” التشكيك في استطلاع صحيفة “هآرتس” فإنني أسألهم سؤالًا واحدًا: لماذا في الأسبوع الذي سبق هذا الاستطلاع نشرتم -وعلى الصفحات الأولى من صحفكم- نتائج استطلاع آخر لنفس الصحيفة كانت نتائجه تشير إلى حصولكم على 12 مقعدًا في الكنيست؟ فهل يومها كانت صحيفة موضوعية واليوم هي محل تشكيك؟!

إن المسؤولية وإن المنطق وإن الوطنية وإن القومية وإن الدين الذي تجردون غير المشاركين في الانتخابات منه وتزعمون أنكم أهله وعنوانه؛ إن هذا كله يحتم عليكم ليس أن تنتظروا أصوات هؤلاء، ولكن أن تنظروا وتتفحصوا حالة البلبلة التي يعيشها هذا الفلسطيني الذي سيوصلكم إلى الكنيست، حيث أصبح همّ رفاهيته مقدم على همّ شعبه، وحيث أصبح “هرتسوغ” الصهيوني منقذًا أو مخلصًا، إنها الكارثة!!!!

أتمنى على عاقل

مع استمرار تأكيدي أن موقفنا في الحركة الإسلامية لا علاقة له بالموقف من هذا الحزب أو ذاك، ولا بهذا العضو أو العضو الآخر، ولا بشكل هذا التحالف -وهذا ليس معناه أبدًا عدم وجود تباين واختلاف في كثير من المواقف والسياسات والرؤى في قضايا سياسية واجتماعية محلية وإقليمية- فإن موقفنا هو بعدم قناعتنا أن الكنيست تُحق لنا حقًا أو ترفع عنا ظلمًا وفق قراءة تاريخية من اليوم الأول لوجود هذه المؤسسة وحتى الآن، حتى لو رضي البعض باعتبار بعض الرتوش وبعض المواقف أنها تمثل إنجازات جبارة، أدت إلى انعطاف تاريخي في العلاقة بين السياسات الظالمة لهذه المؤسسة وبين أبناء شعبنا الفلسطيني في الداخل.

إننا لا ننكر أبدًا وجود هذا التباين والاختلاف، ولكنني في الوقت نفسه أبحث عمن يساعدني في الاقتناع أن هذه الوحدة وهذه الشراكة ستدوم، وأنها فعلًا انعطاف تاريخي، وأنها إرادة شعب وصل إلى نتيجة وتوصل واقتنع أن الوحدة هي غاية وليست وسيلة.

شهد الله أنني لم أكن أنوي الخوض في الحديث عن هذا “الكرنفال”، لولا أنني قرأت ما كتبه وسمعت ما قاله بعض من راحوا يطعنون في بيان الحركة الإسلامية وموقفها، مستخدمين لغة التخوين أحيانًا، ولغة الاستهزاء أحيانًا، ولغة الطعن والهمز واللمز أحيانًا أخرى، وإلا فإنها دورة من دورات الانتخابات سبقها 19 دورة غيرها طوال 67 سنة كان دائمًا أعضاء عرب في الكنيست دون أن يغيروا من طبيعة دور هذه المؤسسة ومن يقف على رأسها. ولن تكون الدورة العشرين فريدة ولا مميزة، اللهم إلا باستثناء أن المؤسسة الإسرائيلية بعد انتخابات 2015 لن تكون هي المؤسسة الإسرائيلية قبل 2015، وإن غدًا لناظره قريب!!!!

رحم الله قارئًا دعا لنفسه ولي ولوالديّ بالمغفرة
(والله غالبٌ على أمره ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون)