3كلمة حرة

العنف ذلك الوحش الذي بداخلنا، بقلم الشيخ رأفت عويضة

 أعطى تاريخنا الحديث بتطوره التكنولوجي للعنف موقعا جديدا في حياتنا الاجتماعية، فأصبح بفضل الإعلام والاتصال والتكنولوجيا، متواجدا وقائما في المدرسة والبيت والشارع، كما في السياسة والدين والسلطة.لكن هذا لا يعني ان نسلم او نستسلم له ولأصحابه كأنه قدر لا فكاك منه بل علينا ان نواجهه بقوة وشجاعة حتى نطرده من مجتمعنا.3163

ففي العام المنصرم (2014) لوحده  قتل في مجتمعنا العربي في اسرائيل 59 شخصا، ومنذ بدية العام 2015 قتل خلال شهر واحد 9 أشخاص، وبالرغم من الإضرابات والمظاهرات والفعاليات التي نظمت وتنظم لمواجهة هذه الآفة المدمرة .
وبعيدا عن أي تحليل أكاديمي، علمي لظاهرة العنف في المجتمع البشري، نرى أن ظاهرته مركبة، تتداخل فيها جملة من العوامل والأسباب المتصلة ، فهي دون شك، صنيعة منظومة كاملة من العوامل والأسباب التي جعلتها على شكلها المفزع والمخيف، فكما هو الحال في كل الظواهر الاجتماعية، فهناك مجموعة من العوامل والأزمات أدت وما زالت الى تفشي العنف ، لعل من أبرزها – في اعتقادي- ضعف ووهن الروابط والعلاقات الاجتماعية، وتهاوي القيم الدينية والأخلاقية وغياب العدالة الاجتماعية، لذلك علينا ان أردنا الحد من العنف ان نعزز القيم الدينية والأخلاقية في البيت والمدرسة والمجتمع وان نربي الجيل عليها.

واذا انتقلنا للحديث عن الجهات المسؤولة عن تفشي هذه الظاهرة في مجتمعنا العربي ،فبإمكاننا ان نوجه إصبع الاتهام أولا الى الدولة بمؤسساتها المختلفة وسياساتها التمييزية الموجهة نحونا والأوضاع الاقتصادية القاسية التي تفرضها علينا،والى الشرطة على وجه الخصوص بعدم كشفها عن الجرائم ومرتكبيها،وسكوتها على انتشار السلاح الناري في ايدي الناس وخصوصا عصابات الإجرام المنظم..،لكننا في نفس الوقت لا يمكننا ان نغض الطرف عن دورنا نحن العرب في إطلاق وحش العنف الكامن في داخلنا ليعمل فينا نهبا وجرحا وقتلا،فنحن شركاء في زرع القنابل الموقوتة المتفجرة في طريق استعادة عافيتنا وتمكين مجتمعنا من اجل النهوض والتطور،فتعاطي السموم والمخدرات وترويجها قنبلة،وحوادث الطرق قنبلة أخرى،والغش في الامتحانات قنبلة ثالثة ،وهكذا أصبح مجتمعنا العربي حقلا مزروعا بالألغام الموقوتة،التي تنفجر في وجوهنا في كل يوم تقريبا حتى لو لم نتوقع انفجارها.وهذا يدل على أزمة قيمية وأخلاقية باتت تهدد امن واستقرا ر مجتمعنا برمته،ولا خلاص لنا من العنف وسائر أمراضنا الا بالتحامنا مجددا بقيمنا وتثويرها حتى تصقل شخصياتنا وتهذب أرواحنا وتحرر عقولنا مما علق بها من أفكار ومفاهيم معيقة .

والغريب في أمر العنف والقتل انه  في تزايد مستمر وتصاعد هستيري عددا وعدة حتى غدت الدماء عند بعضنا  ارخص من الماء(51% من جرائم القتل تقع في المجتمع العربي)،وحتى صار السلاح يباع كما الحلوى(23000 قطعة سلاح في الطيبة لوحدها) ،وصار القاتل يقتل أحيانا بأتفه سبب وأحيانا بلا سبب أصلا(اللاعب صهيب فريج مثلا)،وصار القتلى والضحايا لا يدرون فيم قتلوا ومن الذي قتلهم،وتحولنا الى مجتمع عدواني لا يتقن لغة التفاهم والحوار،وصرنا جميعا ندور مع دوامة العنف ودولابه ننتظر اللحظة التي يقلبنا فيها كما قلب من نعرف من أحباب وأصدقاء ومعارف،وكأننا في آخر الزمان الذي قال فيه نبي الرحمة والسماحة محمد صلى الله عليه وسلم: ((والذي نفسي بيده، لا تذهب الدنيا حتى يأتي على الناس يوم لا يدري القاتلُ فيم قَتَلَ، ولا المقتولُ فيمَ قُتلَ)).فهل بعد هذا كله سيكون لدينا بعض الوقت لنتدارك أنفسنا ومجتمعنا قبل تفككه أم ان الوقت قد فات؟!هذا ما ستنبيء به الأيام القادمة.

 والله المستعان ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *