نحّات يسكن مغارة
“بدادا” كلمة سريانية تعني “المتاهة”، وهي منطقة تحتوي على نبع في واديها يحمل نفس الاسم، تقع جنوب لبنان. حوّلها المهندس سليمان سليمان ابن بلدة “حولا” الواقعة على الحدود اللبنانية الفلسطينية إلى تحفة فنيّة نادرة، من خلال مشروع حلم أشبه بالمغامرة.
سليمان من مواليد 1942، درس الهندسة في هنغاريا، وكان يُعرف بانتمائه لفلسطين، حتى إنّ الطلبة الفلسطينيين في هنغاريا رشّحوه ليترأس اتحاد الطلبة الفلسطينيين، ظنّاً منهم أنه فلسطيني من “الحولة”، لكنّه أخبرهم أنّه لبناني الجنسية فلسطيني الانتماء.
سليمان مهندس كهرباء وهوايته النحت، بدأ عام 1980 بالنحت على الخشب والصخور، وأنجز أكثر من 300 منحوتة، وشارك في معارض عدة داخل وخارج لبنان. يقول المهندس سليمان لـ”العربي الجديد”: “تركت مهنة هندسة الكهرباء في التسعينيات، وبدأت العمل في مجال المقاولات. خلال عملي، تعرفت على منطقة وادي تفاحتا أو وادي بدادا. عملت ثلاث سنوات لاستملاك هذه الأرض، وتحقيق حلمي في بناء مشروع فني سياحي ثقافي تراثي. ولأنني كنت أبحث عن ذاتي وهذا المشروع كان هو شخصيتي وهويتي، بدأت ببناء المشروع الحلم وشيّدت قلعة “بدادا” الخشبية، مثبتة بمسامير. كما تم بناء الحصن الذي ضمّ متحفاً فنياً للمنحوتات، بالإضافة إلى قاعة للمعارض، وجسراً خشبياً يربط القلعة بالحصن، ولكن أقدم مجهولون على إضرام النار في المشروع، وخلال أربع ساعات كان كومة من الرماد، بعدما عملت لمدة سبع سنوات في بنائه”.
وتابع: “كان ضربة قوية بالنسبة لي ولأحلامي، كل الأوجاع التي عشتها في حياتي والأمراض التي رافقتني جسدياً، لم تكن يوماً بقوة ما حصل. بقيت كما أنا عليه، ولم أحرّك شيئاً لمدة أربع سنوات. عدت إلى العمل من جديد لتسديد ديوني بعد خسارتي كل ما أملك. وأصررت على إعادة بناء هذا الحلم من جديد، وعملت فيه بتأنٍّ، وكأنني سأعيش حياة النبي نوح”.
وعن المغارة يشرح: “اضطررت إلى بيع منزلي الذي كان يعتبر تحفة فنية في بلدة البيسارية جنوب لبنان، كي أسدد ديوني. أتيت إلى هذا المكان، وأنجزت المسكن بمرافقه كافة في هذه المغارة، من دون علم زوجتي. إلا أنّنا قمنا بتسليم منزلنا للمشتري، فأحضرتها لترى بيتنا الجديد، ووضعها أمام الأمر الواقع. في البداية رفضت الفكرة، كوننا سنعيش وحدنا هنا، لكنّها تقبّلت الموضوع، وأقمنا فيه، على الرغم من أنّي بنيت “البيت الحصن” ليراه الناس تحفة فنيّة وتراثيّة، إلا أنّنا فضّلنا العيش في المغارة”.
وأوضح سليمان أنّه أنهى جزءاً كبيراً من المشروع، ووضع منحوتاته في داخله، وأنجز الأماكن التراثية. “فالمنحوتات بدأت العمل بها من خلال النحت على الخشب، وأنجزت الكثير منها، وكنت من المميزين في هذا المجال، لكني فقدت أجملها في الحريق، ولم يبق إلا المنحوتات التي كانت على مدخل المتحف، ثم اتجهت إلى الحفر على “الأونيكس”، وهي أحجار نصف كريمة. حالياً، توقفت عن النحت، بسبب تقدمي في العمر، وإصابة اليدين برعشة تعيق عملي، فاتجهت إلى الكتابة وأصدرت 4 روايات وديوان شعر”.