إن ما نشره مركز الإحصاء في إسرائيل، عشية يوم المرأة العالمي،حول الفجوة الواسعة بين دخل الرجل والمرأة حيث كشفت المعطيات أن معدل الدخل الشهري للمرأة الأجيرة هو 7280 شاقل، فيما معدل الدخل الشهري للرجل الأجير يبلغ 10683 شاقل،معنى ذلك ان هناك فجوة بين الدخلين تقدر ب31.9%.
دفعني لأكتب هذا المقال ليس دفاعا عن المرأة بقدر ما هو إحقاق للحق الذي أؤمن به والذي استمده من فهمي المتواضع للإسلام العظيم،وأنا اعلم أنني سأتعرض لنقد كبير من الرجال والنساء على حد سواء ،خصوصا وأنا أخوض غمار بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج وسحاب كثيف،وأبحر في خضم قضية شائكة يختلط فيها التقليدي الموروث مع العصري الحديث ،والديني مع العلماني، والجنسوي مع الزوجي والعاطفي مع العقلي.. الخ
أولا- إن عمل المرأة الأول والأعظم الذي لا ينازعها فيه منازع، ولا ينافسها فيه منافس، هو تربية الأجيال وبناء الأسرة، انه الدور الذي هيأها الله له بدنيا، ونفسيا، ويجب ألا يشغلها عن هذه الرسالة الجليلة شاغل مادي أو أدبي مهما كان ؛ فإن أحدًا لا يستطيع أن يقوم مقام المرأة في هذا العمل الكبير، الذي عليه يتوقف مستقبل الأمم. ويخطيء كثيرا من يقلل من عظم وحيوية هذا الدور ويتهم القائلين به أنهم يريدون سجن المرأة في البيت .ومما يؤكد صحة هذه الحقيقة هو ما كشف عنه عدد من استطلاعات الرأي في اوروبا وامريكا منها:استطلاع أجري على البريطانيون حول المرأة بين البيت والمجتمع، وجاءت لنتائجه مثيرة لدهشة عارمة – لكل الأوساط عندهم-؛ فقد أجمع 76% من الجنسين على أن الأم التي لديها أطفال أعمارهم دون الخامسة، مكانها البيت، وأن الأب هو المكلف وحده بتحصيل الرزق، وأضاف 17% أن على الأم أن تعمل بعض الوقت فقط للمساعدة في إعالة الأسرة، بشرط ألا يكون في عملها تعارض مع تربيتها ورعايتها لأبنائها الذين هم عماد المستقبل، المفاجأة الأكبر تمثلت في رأي 86% ممن استطلع رأيهم من الإنجليز؛ حيث أجمعوا على أن الأفضل للأمة البريطانية ولمستقبلها، أن تلزم الأم بيتها حتى يبلغ أبناؤها المرحلة الثانوية
ثانيا – إن حق المرأة في العمل حق مكفول لا ينبغي ان ينازع به احد، وقد يكون مطلوبًا طلب استحباب، أو طلب وجوب، إذا احتاجت إليه هي او أسرتها كأن تكون أرملة أو مطلقة ولا مورد لها ولا عائل،او احتاج إليه المجتمع،في وظائف لا تصلح لها إلا المرأة او ما شابه.
لكن يبقى السؤال حول زمان ومكان ونوع ومقدار عمل المرأة،ففي الوقت الذي يريد أصحاب المبدأ الرأسمالي المادي للمرأة ان تخرج الى سوق العمل لترفع الدخل والإنتاج،بغض النظر عن نوع العمل ومدته ومكانه وضوابط هذا الخروج،يرى أصحاب المبدأ الآخر ان عمل المرأة ينبغي ان لا يكون بكل ثمن ،فعملها يجب ان يكون مناسبا لطبيعتها ولدورها زمانا ومقدارا وكيفية،فمثلا لا ينبغي لها ان تعمل أعمالا صعبة هي الصق بالرجل من المرأة، او يستغرق عملها القسم الأكبر من وقتها ليكون على حساب دورها في بيتها وأسرتها،او ان تعمل في مكان مختلط بشكل يتم فيه التحرش بها..
وبالتالي ليس المهم مجرد خروج المرأة للعمل فقط ليس الا ، سواء كانت محتاجة للخروج ام غير محتاجة له ..لكن المهم ما الذي تجنيه من هذا الخروج،خصوصا على مستوى الأسرة والأولاد. وإلا لماذا يُبنى المنزل أصلا ؟ ولماذا توجد أسرة ؟
ثالثا- ان قيمة عمل المرأة لا تقل عن قيمة عمل الرجل لا بل أحيانا تزيد ،وبالتالي فان المساواة في الحقوق المترتبة على هذا العمل الموازي بما في ذلك الأجر،أمر مطلوب وواجب،وفشل المرأة في مساواتها للرجل في ذلك بعد كل سنوات النضال التي خاضتها لتحقيق هذا المطلب العادل منذ يوم المرأة العالمي الأول قبل أكثر من عقدين من الزمان،لا ينقص من عدالة هذا الحق ويفرض على المجتمع الحر ان ينصفها،لكنه في نفس الوقت يفرض على المرأة إعادة حساباتها مع نفسها وتقييمها لقضية عملها وضوابط وجدوى هذا العمل. والى أي مدى تريد المرأة ان تمضى به؟وما هو الثمن الذي تدفعه من اجل هذا العمل؟وهل حقق لها انغماسها في العمل خارج المنزل كل الساعات الطويلة ما صبت إليه من أهداف وما طمحت إليه من غايات؟!
رابعا- تشكو الكثير من النساء من الأعباء الثقيلة والضغوطات الجمة التي يتعرضن لها،سيما وان المرأة تجمع بين عملين اثنين خلافا للرجل، فهي من جهة تعمل في تربية أبنائها ورعاية بيتها وزوجها،وتعمل خارج بيتها في الأعمال المختلفة -مثلها مثل الرجل – من جهة ثانية،ولا شك ان الاضطلاع بالعملين معا يسبب لها إرهاقا وتوترا كبيرين ويترك آثاره السيئة عليها صحيا ونفسيا واجتماعيا.وصار السؤال المطروح عند العاقلات من النساء هنا هو: هل ما تجنيه المرأة من العمل من كسب مادي او تحقيق للذات او توسيع لنطاق العلاقات الاجتماعية يساوي ما تخسره من صحتها وأعصابها وتماسك بيتها وصلاح أبنائها؟وهو سؤال دفع بالعديد من النساء الغربيات ان يتمنين العودة الى البيوت ليجدن شيئا من الراحة والهدوء بعد مشوار الصراع والعناء.
فقد جاء في نتائج استفتاء أجرته مجلة (كلير) في باريس حول مساواة المرأة بالرجل: إن مليونين ونصف امرأة فرنسية مَلَلْنَ المساواة مع الرجل، وإنهن مَلَلْنَ الحياة العصرية، مَلَلْنَ حالات التوتر الدائم طوال ساعات النهار، وأغلب ساعات الليل، مَلَلْنَ الاستيقاظ عند الفجر؛ خوفًا من أن يتأخرْنَ عن ساعات بَدء العمل في المصنع والمكتب، مللن الحياة العائلية التي لا يرى فيها الزوج زوجته إلا أثناء العطل أو عند النوم، مَلَلْنَ الحياة التي لا تستطيع فيها المرأة أن تباشر مسؤولياتها الكبرى في تربية أطفالها، فهي لا تراهم إلا لحظات خاطفة تكون خلالها مرهقة الجسم خائرة القوى، متوترة الأعصاب.
خامسا- ان المجتمع الذكوري عموما يظلم المرأة عندما يقبل لها ما قبلته لنفسها خطأ – في رأيي- بتحملها عبأين ثقيلين ترزخ تحت وطأتهما، ويحتاج كل واحد منها الى تفرغ كامل،بل ان هذا المجتمع إضافة الى استغلال المرأة ماديا وإنتاجيا يستغلها جسديا ويتحرش بها جنسيا في أماكن العمل.هذا الاستغلال البشع يتم تحت ستار الحرية الخادعة والمساواة الكاملة الكاذبة التي لم ولن تصل المرأة إليها -كما تتوهم-.
وخلاصة القول ان خروج المرأة إلى العمل لتحقيق المساواة مع الرجل ،لم يحقق لها المساواة المنشودة ،والمساواة الحقيقية – من وجهة نظري -هي في الاعتراف المجتمعي بأن دور المرأة فى بيتها أساسي ومحوري لنجاح المجتمع بأسره، وأن وجودها فى بيتها ليس معناه عدم مقدرتها على العمل كالرجل ، ولكنه نوع من تقسيم الأدوار لنجاح الحياة، وأن وجود المرأة فى بيتها هو تكريم لها وصون لكرامتها وكيانها من مشاق العمل، وهذا بالتأكيد لا ينفى حقها فى العمل متى أرادت ذلك، ومتى كان عملها أفيد للمجتمع،المهم ان تجد المرأة والمجتمع المعادلة الناجحة التي يمكن التوفيق فيها بين المصلحتين وإلا بناء الأجيال أولى وانفع.
أسئله لكاتب المقال:
1. هل يحق للمرآة مساوة في حصل الإرث أم تدعم التطبيق الإسلامي أي أنا المرأة تستحق نصف حق الرجل?
2. هل تدعم الطريقة الحضارية لدور الواليدين فى تربية الأولاد? أي أنا الأب يجب أن يشارك الأم في التربية?
3. إذا كانت الأم دكتواة والأب غير مثقف وليس بإمكانه أن يحصل المرتب الذي تحصله الإم…. من يشتغل ومن يربى?