ازمة اليسار في عصر العولمة، بقلم: نبيل عودة
الواقع الراهن لليسار العربي يبرز عجزه عن نقد تجربته وإقرار مسار جديد، وهذا يبرز أساسا في واقع الأحزاب الشيوعية.. التي لا تزال عاجزة عن إعادة صياغة مشروعها السياسي في الظروف التاريخية الجديدة التي أعقبت انهيار التجربة الاشتراكية. البارز اليوم ان الأحزاب الشيوعية، وأتحدث عن ذلك من تجربتي الشخصية أولا، تعاني من أزمة فكرية وتنظيمية، وأزمة قيادات، نجد الكثير من الطحن والقليل من الفعل.
يؤسفني ان أقول ان بعض الذين يطرحون أنفسهم كماركسيين هم أقرب للسلفية الدينية في مستوى فهمهم للماركسية..بعضهم متمسك بأفكار لم يعد ما يربطها بالواقع الذي بدأ يتبلور في العقود الأخيرة وخاصة من بداية الألفية الجديدة.
ان رؤيتي لضرورة تطوير الماركسية، وتطوير التجربة، لا اقصد منها رفض فلسفة ماركس.. لكن لا يمكن البقاء داخل رؤية لم يعد ما يربطها بالتحولات العاصفة التي يشهدها عالمنا.
مأساة الشيوعية في الشرق الأوسط كله، وأوروبا أيضا، انها منذ انهيار التجربة الاشتراكية ، هناك مفكرون ماركسيون من المستوى الأول، يقولون بوضوح انه حتى قبل انهيار الاتحاد السوفييتي ، بدأت الحركة الشيوعية تغوص رويدا رويدا في مستنقع الجمود والتكرار والاجترار وتكفير الفلسفة والفلاسفة بحجة ان فلسفة ماركس ألغت ما قبلها ولم تنجح أي فلسفة بتجاوز الماركسية، تماما مثل الفكر الديني السلفي.. ورثوا نهجا وعادات من واقع لم يعد قائما، لكنهم يصرون ان يعيدوا عالمنا للخلف مئات السنين…
السؤال الضروري متى يفهم قادة الحركات الشيوعية الحقيقة البسيطة اننا في عصر العولمة لم يعد من الممكن طرح مواقف وأفكار بعقلية القرن التاسع عشر دون فهم ان بعض الأطروحات تجاوزتها مجتمعاتنا وعفي عليها الزمن؟ لو أنهم فتحوا كتابا واحدا في الفلسفة أو الفكر الحديث هل كانوا يواصلون العيش بالوهم الذي يسيطر على تفكيرهم اليوم؟ مضحك ومؤسف انه من شدة انغماسهم في غياهب ما كان ما زالوا يتوهمون انه يمكن إعادة عقارب الساعة إلى الوراء!
هناك عدة نقاط يجب ان تؤخذ بالحساب:
1 – ان عصر العولمة بسلبياته وإيجابياته واقع تاريخي غير مسبوق يفرض علي الجميع أن يتعاملوا معه بوعي كامل.
2 – مهمة التغيير في العالم لم تعد مهمة الطبقة العاملة وأحزابها.. التغيرات العاصفة أفقدتها دورها كطبقة ستقود التغيير الاجتماعي والسياسي محليا وعالميا.لكنها طبقة لها دورها الهام إلى جانب أوساط وفئات اجتماعية واسعة جدا.
3 – في هذه الظروف المتغيرة لا بد من طرح صيغة مختلفة، في جذورها إعادة صياغة الأهداف بما يتوافق مع التحولات، مقاومة الاستبداد السياسي والديني، بناء الدولة الديمقراطية الحديثة في الشرق، تعزيز النهج الديمقراطي في الأنظمة الرأسمالية المتطورة والنضال من اجل دولة الرفاه الاجتماعي.
لا أرى اليوم ان الأحزاب الشيوعية العربية وغير العربية تقوم بدور سياسي أو اجتماعي مهم، لا يمكن إنكار انها تعتمد فكرا ثوريا عاما بمضمونه (الفكر الماركسي) وتجربة كبيرة ، لكن هناك تحولات غيرت طابعنا الاجتماعي، إذا لم تؤخذ بالحساب لن تنجح بالعودة إلى ساحة النضال كقوة مؤثرة.
عصرنا الراهن اليوم لم ينعكس بالمقابل على الأحزاب، أرى أنها لم تخرج بعد نحو آفاق جديدة. من المستحيل الاستمرار على نفس النهج القديم وكأن الانهيار حالة مؤقتة. هناك تخلف يتراكم دون ان نرى محاولات للانطلاق من جديد. حتى نقد التجربة ظل من المحرمات كما يظهر. الجميع على خطـأ إلا الأحزاب المنهارة.
حُلم رفاقي القدماء من مختلف الأحزاب العربية، الذين أتحدث معهم بصراحة هو أن تتمكن أحزابهم من استعادة دورها السياسي ومكانتها الاجتماعية التي تضاءلت شيئا فشيئا خلال العقدين الماضيين دون ان يثير ذلك الصحوة الضرورية المبكرة لدى قادة الاحزاب. فقدوا كل مواقعهم الهامة في مجتمعاتهم، انفضت عنهم حتى قواعد أحزابهم المقربة. هل فكروا بأسباب هذه الضربات؟
طرحوا بعض الشعارات.. ليكن الله بعون الشعارات!!
طبعا الجميع متهمون إلا هم.
من السهل انتقاد قواعد الحزب ومن الصعب توجيه نقد سياسي أو فكري مهما كان بناء لنهج الحزب وقادته المسئولين المباشرين عن الفشل. إذا تجرأت فورا تؤلف ضدك تهم الإنحراف الفكري، تصبح تروتسكيا . لا يميزون بين النقد الذي ينشد إخراجهم من أزمتهم والنقد المعادي لكل فكرهم وسياستهم.
كل ما يقومون به اليوم هو محاولة تهميش، ذم وإلصاق تهم بكل من ينتقد سلبياتهم، بينما هم في حالة تهميش بالغة الخطورة بنتائجها عليهم وعلى احزابهم.
نُشرت الاف المقالات التبريرية واقول انها فارغة من المضمون . لم يجرؤ أي منهم على نقد التجربة، كتابتهم غارقة بالتحليل التبريري البعيد عن الواقع والبعيد عن جوهر التنظيم اللينيني للحزب، النقد والنقد الذاتي. كل العالم على خطا إلا القادة البواسل.