لرئيس حكومة لطالما انتهج استراتيجية البقاء على الكرسي كان لابد وأن يرفع العلم الأبيض كلما مر الوقت الذي أدرك إن لم يقطعه سيقطعه، فعض الأصابع وليّ الاذرع “وفلت بفلت” لعب لصالح “نفتالي بيينت” ما يؤكد، وبنظام “الحوكمة” الحالي في إسرائيل، أن الأحزاب الصغيرة ستبقى صاحبة تأثيرات كبيرة اتسع الحزب وضاعف قوته ما ضاعف.
نتنياهو، وإن حاول من حاول، أن يلتقيا في نصف الطريق وتأمين مخرج ونزول آمن من أعلى الشجرة التي تحصن كل منهما عليها، إلا أنه سجل نصرا بطعم الخسارة، فحتى هذه اللحظة ومع التشديد لرئيس المعارضة “هرتسوغ” على موقفه، البقاء في المعارضة ومحاربة ما أسماه “حكومة وطنية فاشلة”، الفائز الأكبر هو البيت اليهودي ومن يقف على رأسه “نفتالي بينت” الذي حقق مع ثمانية مقاعد ما لم يتمكن من تحقيقه مع اثني عشر مقعدا في الحكومة السابقة.
هذا هو الحال بعد أن تحصن نتنياهو و”نفتالي بينت” طيلة أمس بمواقفهما، فنتنياهو سعى إلى عدم الخضوع والخنوع بعد أن عزز مكانته السياسية في الليكود وما يعرف بالمعسكر الوطني محاولا تفويت فرصة رسم صورة نصر أمام الرأي العام على “نفتالي بينت”، أما “نفتالي بينت” فخرج في معركة كرامة عنوانها إما أن نكون أو نكون بحق لا على “الرفوف” كبديل، مستغلا الفرصة أن تركيب الحكومة، والوقت ينفذ لنتنياهو، لن تُشكل إلا بالاتفاق مع حزبه، ليضع نتنياهو أمام خيارين أحلاهما مر: إما قبول شروطه أو لا يكون ائتلاف، فتنازل كلاهما، نتنياهو منحه حقيبة القضاء مع بعض التقليصات في الصلاحيات للوهلة الأولى التي عاد ملوحا نفتالي بها إلى أنصاره محاولا اقناعهم بانتصاره، فهو منذ البداية أراد هذه الحقيبة لتشاء الاقدار والصدف أن يحصل عليها بعد ثلاثة شهور من نقطة البداية…
نتنياهو منح حقيبة العدل ويده على قلبه، فهو يحاول نزع أنياب “ايليت شاكيد” حتى ينعم بالهدوء الصناعي، فعلى الأبواب اختيار مستشار قضائي للحكومة، وإن لم يكن لها أي تأثير، فهو علّم من قبلها من شغلت هذا المنصب “تسيبي” أن ما يرديه هو فقط يحدث، ولكن لا يريد أخذ مخاطرة، أما فيما يتعلق بلجنة تعيين القضاة لن يكون “لشاكيد” هناك تأثير قوي في ظل وجود خمسة أشخاص في اللجنة محسوبين على جهاز القضاء: ثلاثة قضاة واثنان من نقابة المحامين من أصل تسعة أعضاء ولكن هي تقرير عقد الجلسة من عدمها، وفيما يتعلق “بالمجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية” فالحل أيضا لديه موجود، المراوغة وتجاوز كل من “نفتالي” و”شاكيد” من خلال “مطبخ سياسي مصغّر” مكون من سبعة أعضاء وبهذا يضمن لنفسه على الأقل تمرير قرارته. نعم حقا، فمن هو الأقوى إذًا في هذه الحكومة؟ نعم صدقتم “كاحلون” رئيس حزب “كلنا” فهو باستطاعته قلب الطاولة رأسا على عقب وليس فقط، وإنما خلط أوراق نتنياهو، بل بعثرتها…
حكومة “الايجو” و”ما في القلب في القلب” تنطلق بعد أن قامت بحملة تدليل وتصفية: تزويد ميزانية “كلية أرئيل” وما أدراك ما أرئيل (مع احترامي لمن درسوا فيها)، الاتفاق على إلغاء قوانين أساس كقانون الحكومة وماذا لا؟ّ!، فنتنياهو في سبيل إرضاء الغاضبين في حزبه سيضطر على توسيع الحكومة لمنحهم حقائب وزارية ووظائف نيابية، أما سياستها نحو العرب في البلاد فما كان سيبقى وسيكون، حكومة موجودين في أسفل سلم أولوياتها مهما حاول من يحاول وحاولت إقناع نفسها، لتبقى الحقيقة الحاضرة الغائبة تقول: عند أول منعطف أو بمعنى أدق مفترق سيلعب “الايجو” الموجود أصلا دوره لتتفكك الحكومة ويجد نفسه الناخب في انتخابات جديدة! مسألة وقت ليس إلا.