ان العلاقة بين السياسة والأخلاق كانت معادلة صعبة في جوهرها وفي نظرت الناس المختلفة لها منذ اصحب الانسان جزء من مجتمع حضاري . فما هي حقيقة هذه العلاقة ؟
إذا كانت السياسة في تعريفها البسيط هي طرق او أسس قيادة الجماعة البشرية وأساليب تدبير شؤونها لما يعتقد أنه خيرها ومنفعتها، فالأخلاق هي مجموعة القيم والمثل الموجهة للسلوك البشري نحو ما يعتقد أيضاً أنه خير وتجنب ما ينظر إليه على أنه شر، وكلاهما، السياسة والأخلاق، تستهدفان تمليك الناس رؤية مسبّقة تجعل لحياتهم هدفاً ومعنى، وبالتالي تلتقيان من اجل مصلحة الانسان والمجتمع .
وهذا ما أكده أفلاطون حينما مزج نظريته السياسية بالأخلاق، مقررا إن أساس الحكم أربع فضائل هي الحكمة وهي الجانب الفلسفي والشجاعة وهي الجانب الطبيعي والعفة وهي الجانب النفسي والعدالة وهي الجانب السياسي، ومن لا تتوفر فيه هذه الفضائل فليبتعد عن حكم الناس. وسار أرسطو على نهجه باعتباره السياسة تمثل الجانب الاجتماعي للأخلاق.
وهذا ايضا ما أكدته المسيرة النبوية حيث استطاع النبي محمد (صلعم) أن يجمع حوله الناس بحسن الخلق: ” ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك”. وكانت أعماله وأقواله المفازة التي التقت عندها السياسة بالأخلاق، إذ كان يأمر المسلمين – عامتهم وخاصتهم- بحسن الخلق “أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم أخلاقًا” حتى وصفه ربه تعالى “وإنّك لعلى خلق عظيم”
فهل حقاً اليوم يوجد هذا العلاقة المتجانسة بين السياسة والأخلاق ؟
وأضح لمعظمنا ان العالم يعيش في مكانة اخرى إنه اليوم يأن تحت وطأة الأنانية وغلبة المادية والرغبة في السيطرة، ويعيش بالفعل أزمة أخلاق سيرت الحياة إلى لعبة، القلة القليلة فيها فائزة والأغلبية السّاحقة من الناس خاسرون تعساء. والحقيقة المنبلجة من ذلك هي إن تغييب حريات البشر واستباحة حقوقهم في الحياة الكريمة .
فهل تغيرت السياسة ام تغيرت الاخلاق ام تغير الانسان ؟
بيد إن الرصيد الأخلاقي للسياسة قد نفذ لما جاهر المفكر الايطالي ماكيافيللي [1419-1527] بالقطيعة بين السياسة عن الأخلاق، داعيا الأمير إلى “أن يستغل من الصفات ما يشاء غير ناظر إلى أي قيمة دينية أو أخلاقية فهناك من الفضائل ما يؤدي إلى سقوط حكمه وهناك من اللا فضائل ما يؤدي إلى ازدهار حكمه وشعاره الذهبي في ذلك ” الغاية تبرر الوسيلة والضرورة لا تعترف بالقانون”.
ان فصل السياسة عن الاخلاق كان احد أسباب تدهور حياة معظم سكان الكرة الأرضية ، الفقر ، الحروبات ، الدمار ، تلوث البيئة ،العنف ، الكراهية كلها طفحت عندما افتقدنا أخلاقنا بالتعامل مع الاخر بشكل شخصي ومع المجموعة ومع المختلف عنا ، وكم هي صحيحة مقولة المفكرالجزائري مالك بن نبي : “إذا كان العلم دون ضمير خراب الروح فان السياسة بلا أخلاق خراب الأمة ” .
ربما هي صرخة في واد مقفر حين نستحضر مقولة تولستوي الشهيرة: “إن الشر لا يقتل الشر كما النار لا تطفئ النار”، أن الذين يعتقدون أن السياسة في أجواء الحرية المطلقة لا أخلاق لها ولا قيم ، يعتقدون خطأً أنهم أصحاب حقوق بلا واجبات، ولا يتركون للآخرين في غياب السياسة الأخلاقية الموجبة للمسؤولية سوى الواجبات المجردة من الحقوق ،متجاهلين أن الطريق إلى الخير لا تمر بوسائل من الشر مهما كانت المبررات ومهما كانت فضيلة الغايات . والسياسة بلا أخلاق كالشجرة بلا ثمر أوقد تكون ذات ثمرات سياسية لكنه لن تكون إلا قاتلة لجمال الحياة والحرية والحق، لأن لغة السياسة الانتهازية اللا أخلاقية المثيرة للأطماع لا تحمل في أغوارها من الحلول العلمية والعملية ما يمكّن الشعوب من تحقيق طموحاتها المشروعة؛ لأنها دعوة للهدم وليست دعوة للبناء؛ دعوة للفوضى وليست دعوة للنظام وسيادة القانون؛ دعوة للخوف والقلق وليست دعوة للأمن والاستقرار؛ دعوة للصراعات والحروب الدامية، وليست دعوة للوحدة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتقدم والسلام الاجتماعي.
برغم صعوبة الواقع لكني مؤمن ان الخير والأخلاق هي أصل الانسان وانه يوجد من السياسيون رجال ونساء الكثيرون سبيلهم الاخلاق وهدفهم مصلحة الناس ، كل الناس .
وان عندنا من الانسانية تكفي لكي نعيش بكرامة .