اليوم اعترف العالم بإيران كدولة نووية رغم انف الجميع. الدبلوماسية الايرانية المتمثلة بمحمد جواد ظريف والرئيس حسن روحاني لقنت العرب قبل الغرب كيفية التعامل مع المسائل المستعصية وتسخيرها لمصالح بلدك بغض النظر عمن يجلس امامك ويفاوضك.
منذ سنوات والعالم يفاوض ايران بشأن مشروعها النووي، وخلال الاشهر الـ 22 الاخيرة كان يقارعها دبلوماسيو الدول الخمس الكبرى دائمة العضوية في مجلس الامن اضافة الى المانيا وكذلك منسقة السياسة الخارجية لدى الاتحاد الاوروبي، ومع ذلك كان محمد جواد ظريف وزير الخارجية الايراني وطاقمه شديد الحنكة فوصل ببلاده الى اتفاق يضمن لها تدفق الاستثمارات الاجنبية الهائلة التي تقدر بمائة مليار دولار على الاقل خلال السنوات القليلة القادمة.
الدبلوماسية الهادئة التي اتبعتها ايران خلال هذه المفاوضات ورهانها على ان عامل الوقت يساندها، دفعت الغرب ليسارع الى التوقيع على اتفاق ضاربا بـ”مخاوف” اسرائيل عرض الحائط، وبدا كأن كل دولة من هذه الدول العظمى تهمس في أذن ايران “لا تنسونا بعد رفع الحصار عنكم ودعونا نستثمر في بلادكم”.
كان امام الدول الغربية احد الخيارين: اما مواصلة فرض العقوبات على ايران وهذا يعني ان تواصل طهران تطوير برنامجها النووي وبعد سنة او سنة ونصف ستكون قد صنعت القنبلة النووية الاولى، وهو امر مرعب سيمكنها من بسط سيطرتها على المنطقة. واما الخيار الثاني فهو التوصل الى اتفاق معها لوقف البرنامج النووي ورفع الحصار الاقتصادي عنها وعندها ستتدفق عليها اموال الاستثمارات وسيعود نفطها الى الاسواق وستصبح دولة عظمى اقتصاديا خلال فترة قصيرة وستبسط سيطرتها على المنطقة. ولكن ان تبسط سيطرتها على المنطقة بدون سلاح نووي اقل خطرا بالنسبة للغرب مما لو كانت هذه السيطرة بفضل السلاح النووي.
اختار الغرب الخيار الثاني راجيا ان تتمكن ايران في اقرب فرصة من القضاء على داعش في العراق وسوريا على ان تستخدم الان قوات نظامية رسمية علنا. أي ان تخلع القفازات وتنزل المعركة بثقلها فلم يعد يهمها التظاهر بحسن السلوك امام المفاوضين الغربيين بعد ان ابرمت الاتفاق النووي معهم.
نعم، ايران اليوم لم تعد كإيران التي عرفناها بالأمس. فهي حرة من اعتبارات دولية وستخلع الشوك الذي لا يجرؤ العالم على الاقتراب منه، داعش. لا سيما وان لها ثأرا شخصيا وامميا مع هذه الجماعات السنية، علاوة على انها لن تتخلى عن سوريا حتى وإن اضطرت للتضحية ببشار الاسد باسم تحقيق الهدوء العام.
علينا نحن العرب ان نتعلم من ايران كيف نتغلب على عجزنا. دولة تخضع للمقاطعة والحصار الاقتصادي على مدار اكثر من 35 سنة، منذ الثورة الاسلامية التي قادها الخميني 1979، ارغمتها ظروفها الاعتماد على نفسها، فراحت تصنع وتنتج. وهي اكبر منتج للطاقة الكهربائية في الشرق الاوسط، وهي الدولة الاقل استيرادا للأسلحة من الخارج، لأنها تصنع اسلحتها بنفسها من صواريخ باليستية، حتى بناء السفن مرورا بصناعة الاقمار الاصطناعية واطلاقها الى الفضاء الخارجي. في ايران العلماء صناعة محلية وطنية وهم اكبر ذخر للدولة.
اما نحن العرب فسنبقى نتجول بالشبشب ونقايض الكاز بالويسكي ….