فتشوا عن هيكلكم المزعوم في مكان آخر، بقلم: الشيخ رأفت عويضة

اعتاد اليهود خصوصا المتدينون منهم في شهر آب أغسطس من كل عام اظهار الحزن والحسرة، وصيام اليوم التاسع منه وذلك تخليدا لذكرى الهيكل الذي دمر عبر التاريخ مرتين: الاولى عام 586 ق.م على يد نبوخذ نصر البابلي،والثانية عام 70 م على يد القائد الروماني تيطس.وفي كل عام تتصاعد دعوات الجماعات اليهودية المتطرفة والمتزمتة مدعومة من بعض السياسيين وصناع القرار الإسرائيليين بضرورة اقتحام الأقصى وإقامة الهيكل الثالث مكانه او على ساحاته.

(الهيكل، هو ذاك البناء الضخم الذي يعتقد اليهود أن نبي الله سليمان عليه السلام شيَّده قبل حوالي ثلاثة آلاف سنة في القدس ، وهو يحوي “تابوت العهد” الذي تركه النبي موسى عليه السلام ليحفظ توراتهم الأصلية ، ويعلمهم الشريعة الصحيحة . لذا سعى اليهود للبحث عن الهيكل في كل مكان توقعوه على أرض فلسطين ، بما فيه تحت المسجد الأقصى )

  ونحن هنا ان تجاوزنا موضوع كون الهيكل حقيقة ام أسطورة – كما يرى الكثير من الباحثين-فان الحقائق الدينية والتاريخية والأثرية تفند المزاعم اليهودية القائلة بان المسجد الأقصى مقام على أنقاض الهيكل المزعوم ،وذلك على النحو التالي وباختصار يسمح به مقال:

 1)لم يرد في القرآن الكريم ذكر لهيكل سليمان على الإطلاق ، وإن ما ذُكر هو ما شيدته الجن للنبي سليمان ، والذي ورد ذكره تحت مسمى “الصرح”رغم إسهام القران في تناول حياة النبيين الكريمين داود وسليمان عليهما السلام. وإن هذا الصرح الزجاجي الذي وضع فيه عرش الملكة بلقيس بعد إحضاره من اليمن ،لم يُبْنَ ليكون بيتاً من بيوت الله ، تمارس فيه العبادات وتؤدى تحت سقفه الطاعات والفرائض ، إنما كان بناءُ هذا الصرح استعراضاً للقوة والعظمة التي أعطاها الله للنبي سليمان أمام الملكة الكافرة القادمة من سبأ ، علها تعود عن كفرها وتؤمن مع سليمان : « قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً .. ».

   كما لم يرد ذكر الهيكل في السنة النبوية المطهرة ايضا وإنما ورد ذكر المسجد الذي بناه سليمان قال صلى الله عليه وسلم :((إن سليمانَ بن داودَ لما بنى بيتَ المقدس، سأل اللهَ عز وجل خِلاَلاً (خِصَالا) ثلاثة: سألَ اللهَ حُكْما يُصادف (يوافق) حُكْمَهُ: فأُوتِيَهُ، وسألَ اللهَ مُلْكا لا ينبغى لأحدٍ من بعدِه: فأُوتِيَه، وسألَ اللهَ حين فَرَغ مِن بناءِ المسجدِ: أن لا يأتِيَهُ أحدٌ، لا يَنْهَزُهُ (لا يُخرجه) إلا الصلاة فيه: أن يُخْرِجَهُ مِن خطيئتِِهِِِ كيومِ ولدته أمُّه. أما اثنتان فقد أعْطِيَهما، وأرجو أن يكونَ قد أُعطِىَ الثالثة)) صحيح الجامع. نلاحظ من قوله صلى الله عليه وسلم ((وسأل الله حين فَرَغ مِن بناءِ المسجدِ)) انه لم يقل حين فرَغ من بناء الهيكل!

2) لم تنسب الأسفار المنسوبة لسليمان -عليه السلام- بناءه للهيكل؟ ومن الغريب: أن تخلو    الأسفارُ المنسوبة لسليمان عليه السلام- وهى (الجامعة 12إصحاح، نشيد الأناشيد وهو 8 إصحاحات، الحكمة 19 إصحاح)- من أىِّ ذكر للهيكل، وهو الذي يُنسب له بناؤه!!

3) إن السِّفر الذي تحدث عن بناء سليمان -عليه السلام- للهيكل المزعوم هو: سِفر الملوك الأول، فى إصحاحيه الخامس والسادس. ففى الإصحاح الخامس(5/13-18) (وسخر الملك سليمان من جميع إسرائيل وكانت السُّخر ثلاثين ألف رجل، فأرسلهم إلى لبنان عشرة آلاف فى الشهر بالنوبة: يكونون شهرا فى لبنان وشهرين فى بيوتهم وكان أدونيرام على التسخير، وكان لسليمان سبعون ألفا يحملون أحمالا وثمانون ألفا يقطعون فى الجبل، ما عدا رؤساء الوكلاء لسليمان الذين على العمل ثلاثة آلاف وثلاث مئة المتسلطين على الشعب العاملين العمل، وأمر الملك أن يقلعوا حجارة كبيرة حجارة كريمة لتأسيس البيت حجارة مربعة، فنحتها بناؤو سليمان وبناؤو حيرام والجبليون وهيأوا الأخشاب والحجارة لبناء البيت).

 علما ان التوراة كتبت في فترة لاحقة لظهور اليهود بفلسطين باكثر من 700 سنة،معظمها كتب بعد السبي البابلي،لهذا كتبت موضوعاتها بطريقة تربط اليهود بفلسطين.

4)يختلف اليهود أنفسهم فى بناء الهيكل المزعوم؟ فمنهم من يرى أن الهيكلَ سينزل من السماء.ومنهم من يرى بوجوب هدم الأقصى لبنائه مكانه. ومنهم من لا يرى وجود هيكل أصلا.وهناك اختلاف كبير وواضح بين الطوائف اليهودية في المكان الذي بني فيه الهيكل، فاليهود السامريون يعتقدون انه بني على جبل “جرزيم” في مدينة نابلس، ويستدلون على ذلك بسفر التثنية أحد أسفار التوراة الخمسة.

أما اليهود المعاصرون من الحاخامات والعلماء الباحثين، وخاصة “الإشكناز” فهم يعتقدون أن هيكل سليمان تحت الحرم القدسي، ولكنهم مختلفون فيما بينهم في تحديد مكان الهيكل، واختلافاتهم تصل إلى خمسة أقوال كلها مختلفة ومتناقضة، فمنهم من يزعم انه تحت المسجد الأقصى، ومنهم من يزعم أنه تحت قبة الصخرة، ومنهم من يزعم أنه خارج منطقة الحرم، ومنهم من يزعم انه على قمة الألواح وهي في منطقة الحرم بعيدا عن المسجدين.

5) أثبتت جميع الحفريات أن هيكل سليمان اندثر تماما منذ آلاف السنين وورد ذلك صراحة في عدد كبير من المراجع اليهودية، وكثير من علماء الآثار النصارى أكدوا ذلك، وكان آخرهم عام 1968م عالمة الآثار البريطانية الدكتورة “كاتلين كابينوس”، فقد قامت بأعمال حفريات بالقدس، ، حول وجود آثار لهيكل سليمان أسفل المسجد الأقصى، حيث قررت عدم وجود أي آثار البتة لهيكل سليمان، واكتشفت أن ما يسميه “الإسرائيليون” مبنى إسطبلات سليمان ليس له علاقة بسليمان ولا إسطبلات أصلاً، بل هو نموذج معماري لقصر شائع البناء في عدة مناطق بفلسطين.وقد تم طردها وطردت من فلسطين بسبب فضحها للأساطير الإسرائيلية.

6)اثبت علم الآثار والمنقبون الذين باشروا التنقيب عن الهيكل طوال فترات عديدة عدم وجود أي اثر للهيكل في الحرم القدسي الشريف وان الادعاء بعكس ذلك هو تسييس للدين كما قال

 عالم الاثار بجامعة تل ابيب “يسرائيل فنكلنشتاين” :هؤلاء الناس (من يقومون بالحفريات في القدس) يحاولون خلط الدين بالعلم.

وكشف هذه الأكاذيب “وليم درايميل” في كتابه :(المدينة المسحورة) قاصداً بها (مدينة القدس) متحدثاً عن الجهود التي بذلتها إسرائيل من سنة (1948-1995م) في التنقيب عن بقايا هيكل سليمان،بقوله: “كان تقدير العلماء الإسرائيليين بأن موقع الهيكل قريب من أسوار مسجد قبة الصخرة، وبدأت الحفريات واستمرت رغم اعتراضات منظمة اليونسكو، وكانت الآثار التي تم الوصول إليها بقايا قصر لأحد الأمراء الأمويين، وهذا أمر يكشف مدى كذب اليهود في أمر الهيكل المزعوم، وأنه ليس لهم ماضٍ يقوم عليه حاضر دولتهم تاريخياً”.

كما اعترف عالم الآثار الإسرائيلي”مئير بن دوف” أنه لا يوجد آثار لما يسمى بجبل الهيكل تحت المسجد الأقصى، وأشار إلى أن منطقة الحرم القدسى الشريف كانت على مستوى مختلف مما هي عليه اليوم ، فقبل ألفي سنة لم تكن تلك المنطقة بنفس المستوى التضاريس ، فمثلاً هيكل الملك هيرودوس الروماني كان بمستوى أعلى من مستوى الصخرة المشرفة هذا اليوم.وهذا ما أكدته من قبل دائرة المعارف البريطانية.

7) ان مجموع مساحتي الهيكل والرواق الذي بناه سليمان عليه السلام  كما جاء في سفر الملوك الأول الذي سبقت الإشارة اليه هو 2701.1 م2. وأما مجموع مساحة الأقصى فهو144  ألف م2. فأي سند لهم اذن فى أن هيكلهم المزعوم كان مقاما على مساحة الأقصى؟!

   ولعل سائلا يسأل اذن من أين جاءت أسطورة الهيكل المزعوم؟ ومن الذي اخترعها؟ والجواب كما تدل الروايات التاريخية ان أول من دعا لبناء الهيكل؟ هو الطبيب اليهودي – فى البلاط الأندلسي- موسى بن ميمون، الذي زار القدس عام 1267م، ولفت انتباه اليهود الى لضرورة بناء هيكل؛ ليرمزَ لوحدتهم.

  وحقيقة الساعة تقول ان المسجد الأقصى المبارك ورغم ما تعرض له وتعرضت له المدينة المقدسة مازال قائما شامخا رغم طول الزمان ،وأما هيكلكم المزعوم فلا اثر له ،فهل بعد هذا من شيء يقال؟!

   وفي الختام لا يبقى لنا ان نقول الا كما قال الله عزوجل في وصف كتبة التوراة: “فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون” سورة البقرة أية 79 .

Exit mobile version