لقد لفت انتباهي انني يوميا عندما اتصفح المواقع والجرائد تنقل الي الأخبار المرعبة والمزعجة والمقلقة : تم اطلاق النيران مما أدى الى مقتل شاب ، أو اصابة شديدة لامرأة أم لأطفال ، وتأتي أخف الأخبار: تم طعن فتى وأصابته خفيفة … ، ذلك أننا أصبحنا مجتمعا ” يبدع ” بالقتل والعنف ! ثم فكرت مليا وتنقل فكري بين الآيات الربانية والأحاديث الشريفة العظيمة متسائلا : إذا كان ردنا للإساءة بإساءة أشد منها ؟ اذا متى ستنتهي الاساءات بيننا !.
لنتخيل جميعا بعد تنفس عميق ماذا سيحدث؟ لو أنك إذا ظُلِمتَ وسُلب حقك ، أو أُسِيءَ إليك ، أو أعتدي على عائلتك ،عفوت وصفَحت وسامحت مرضاة لله تعالى ، وأنت متذكرجيدا، كيف امتدَحَ الله العافِين عن الناس، فقال في صفات أهل الجنةِ في سورة آل عمران الآية 134 :﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾.
ونقص عليك قصة الخادم والرجل الصالح : ” طلب أحد الرجال الصالحين من خادم له أن يحضر له الماء الساخن ليتوضأ ، فجاء الخادم بالماء الساخنً جدًّا ، فوقع ابريق الماء الساخن من يد الخادم على الرجل الصالح ، فقال له الرجل وهو غاضب : أحرقْتَني ، وأراد أن يعاقبه ، فقال الخادم : يا مُعَلِّم الخير ومؤدب الناس ، ارجع إلى ما قال الله تعالى . قال الرجل الصالح : وماذا قال تعالى ؟
قال الخادم : لقد قال الله تعالى : { والكاظمين الغيظ }. قال الرجل : كظمتُ غيظي .
قال الخادم : وقال الله تعالى: { والعافين عن الناس }. قال الرجل الصالح : عفوتُ عنك.
قال الخادم : وقال الله تعالى : { والله يحب المحسنين}. قال الرجل الصالح : أنت حُرٌّ لوجه الله !
وقد تناسينا العبارة المهجورة ” العفو عند المقدرة ” والتي تعتبر من أعظم الأخلاق ، وهي من صفات الله واسمائه الحسنى ، فهو سبحانه تعالى” العفو القدير” أي يعفو بعد مقدرته على الأخذ بالذنب ، والعقوبة على المعصية ، ولا شك أن ” العفو القدير” صفة عظيمة لله فيها الكمال ، فهو سبحانه يحب العفو، ويحب أن يرى عبده المؤمن يعفو عن الناس، فالعفو بدون مقدرة قد يكون عجزاً وقهراً، ولكن العفو مع المقدرة على الإنتقام، يعتبر من أنبل الأخلاق ، قال تعالى في سورة الأعراف الآية 199 : ” خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ” ويقول سبحانه تعالى في سورة سورة الشورى الآية 40 “ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّه”
وما أروع عبارة : ” السعادة الحقيقة هي تحمل الأذى من الآخرين ، والعفو عنهم مع المقدرة والحلم والصبر عليهم ، وأخذهم من ظلمات المعاصي إلى نور الطاعة.
اسلامنا الحنيف يدعو كافة الناس إلى التعايش الإيجابي في جو من الإخاء والعفو والتسامح ، بصرف النظر عن انتماءاتهم الثقافية ولغاتهم وأجناسهم وألوانهم، لأن جميع البشر ينحدرون من« نفس واحدة »، كما جاء في سورة النساء الآية 1 : ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾. وهذه الاختلافات بين الناس في أجناسهم ولغاتهم وألوانهم لا ينبغي أن يكون منطلقاً أو مبرراً للنـزاع والشقاق بين الأمم والشعوب، بل الأحرى أن يكون هذا الاختلاف والتنوع دافعاً إلى التعارف والتعاون والتآلف بين الناس .
وردد بقلبك : ” اللهم إني عفوت عن كل من ظلمني واغتابني وأنتقص من قدري، يا رب اعفو عنه “.
” يا رب أغفر لي إذا أسأت إلى الناس، فأعطني شجاعة الاعتذار ، وإذا أساء لي الناس ، فأعطني شجاعة العفو “
مع أنبل آيات العفو والتسامح
المربي الشيخ أبو عكرمة الطيباوي