لقد استغربت وذهلت كثيرا عندما قرأت ان المعلم في اليابان يحظى باحترام وتقدير لدى كافة فئات المجتمع، فعندما يدخل المعلم إلى الصف ، يقف الطلبة احتراماً وتقديرا له ، ويرددون عبارة : « يا معلمنا نرجو أن تتفضل علينا وتعلمنا» ، وذلك لأن الأسرة اليابانية تتولى غرس الاحترام والتقدير في نفوس الأبناء منذ السنوات الأولى للدراسة، وهذا ما يوفر للمعلم سلطة كبيرة في تعامله مع الطلاب في كافة المراحل الدراسية، بكل يسر وسهولة.
وقبل فترة تداول الناس وبشكل موسع ” صورة لطلبة يابانيين في حفل تخرجهم، وهم يقومون بغسل أرجل معلميهم، تكريماً لهم على مجهوداتهم، وتقديراً واحتراماً لهذه الشريحة المهمة من المجتمع”. ايها المسلمون لا تنبهروا ولا تقولوا : اين نحن العرب وأهل الاسلام من اليابان،وانا لا احبذ ان تشعروا انهم أفضل منا،فنحن المسلمون أول من أدب الأبناء علی هذه الاخلاق النبيلة، ففي اسلامنا العلاقة بين المعلم والطالب قائمة على الحب والوفاء والتكريم والتوقير، حيث يعتبر المعلم والد يؤدب بالحسن ويهذب بالحكمة،والتلميذ المتعلم ابن مطيع بار يرى في توقيره لأستاذه من مظاهر الدين والأدب وحسن الخلق .
وكان الطالب يحافظ على وفائه لأستاذه حتى بعد تخرجه،وبلوغه مرتبة في المجتمع، فهو يظل يذكر معلمه بالخير والحسنی ،ولا ينس سابق فضله عليه.
ايها الاخوة الافاضل ، اليوم أصبحنا نعيش في عصر يربي أولادنا غيرنا من الممثلين والراقصات والفضائيات، ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ، قنوات تحرضهم على الفساد والعنف والكفر، وشبكات تدربهم على الضياع والسخف والعقوق.
ولعلي أذكر امامكم نماذج من سلفنا الصالح في توقيرهم للمعلم واحترامهم له .ولكن قبل البدء بذلك أحب أن أذكر أن في مدارسنا نماذج كثيرة رائعة من الطلاب الذين يتحلون بالدين والأداب والأخلاق والاحترام .
لقد كان العالم المسلم (الكسائي) يربي ويؤدب ابني خليفة المسلمين في زمانه هارون الرشيد،وهما الأمين والمأمون .
وبعد انتهاء الدرس في أحد الأيام ، قام الإمام الكسائي فتسابق الأمين والمأمون ليقدما نعلي المعلم له ، فاختلفا فيمن يفعل ذلك !.
وأخيراً اتفقا على أن يقدم كل منهما واحدة .
ورفع الخبر إلى الرشيد ، فاستدعى الكسائي وقال له :من أعز الناس ؟
قال: لا أعلم أعز من أمير المؤمنين .
قال : بلى ،إن أعز الناس من إذا نهض من مجلسه تقاتل على تقديم نعليه وليا عهد المسلمين ، حتى يرضى كل منهما أن يقدم له واحدة من حذاءه .
فظن الكسائي أن ذلك أغضب الخليفة فاعتذر الكسائي .
فقال الرشيد : لو منعتهما لعاتبتك ، فإن ذلك رفع من قدرهما.!
وما أروع ما قاله أمير الشعراء أحمد شوقي :
أَعَـلِـمتَ أَشرَفَ أَو أَجَلَّ مِنَ الَّذي * * يَـبـنـي وَيُـنشِئُ أَنفُساً وَعُقولا
أَخـرَجـتَ هَذا العَقلَ مِن ظُلُماتِهِ * * وَهَـدَيـتَـهُ الـنـورَ المُبينَ سَبيلا