في هذه الأيام المثقلة بالدم والموجوعةوالطافحة بالذكرى، تسقطُ سنابلنا سنبلةً بعد سنبلة لتملأ الوادي سنابل، يسقطُ الشهداء كالغيم الماطر.. لا يهبطون إلى الأرض ليصعدوا سلم المجد نحو سماءٍ عالية ويستمر المسير إلى المجد .. بخطىً واثقة لا مجال للتقهقر ، ويبقى الجبلُ جبلاً منتصباً واقفاً لا ينحني مهما كانت الريح هائجة.
هو ياسر .. لا غيره بندقية الثائر وقلم الكاتب وريشة الفنان .. هو الروح التي تتفتح في مساحاتٍ من السراب الملغم يأبى أن يُجترَ بين أنياب النسيان ..
ياسرٌ لا غيره الثائر الأسمر والزند العنيد أول الرصاص وآخره، الأسطورة التي نسجت من خيوط الفجر النقية فتوارت عن الأعين برهة من الزمن حتى يعود عاصفاً بعاصفة قلبت كل الحسابات وتجلت متربعةً فوق تلال الشرف.
في هذا اليوم الحزين من ( تشرين ) .. تشرين الذكريات الحزينة والمفرحة تذبلُ أزهار الياسمين وتتكسرُ السيوف في غمدها كلما مرَ طيفُ ياسر.. بها، فهو الذي علمنا أن الحق يؤخذ ولا يعطى، وهو الذي جاب الكون حاملاً فلسطين في بين الروح والفؤاد، لا يكل ولا يلين.
في الحادي عشر من تشرين تتفتح مواويل الحزن وتبكي العتابا نجمها الغائب وينضب حبرُ اللغة وهو يبحرُ في بحور ياسر، ياسر الذي جاب المرافئ وعبر بجناحين عريضين سماء المنافي وباستيلات التحقيق فينيقاً نهض من رماد الشتات يبذرُ حقول عودتنا بالأمل وإشارة النصر المعهودة!! رغم المحن مسجلاً على ألواح أيامنا عباراته الفريدة وتصريحه المعهود ” يا جبل ما يهزك ريح “.
يا سيدي الموجود في غياهب الموت ها هو شعبنا يحفظُ عهدكَ ويسلكَ دربك ويشيد جسراً للحرية للوصول إلى بر الأمان، ينتفضُ في القدس والجليل .. في رام الله والخليل، وفي كل شبر مغتصب من أرضنا، لا يأبه بالموت المنفلت من عقاله، ولا بإرهاب عسكرهم .. فهو كريح إذا هبت نقلت معها بذور العزة .. وهو كالجبال إذا انتصبت لا يقلق بتعداد الأحزان ولا الخسارات مؤمن إيماناً يقيناً أن النور الذي رأيته في أخر النفق بتنا أقرب منه الآن ..
تدمينا الذكرى سيدي بخناجرها المسمومة وهي تقطعُ مهجنا، آه من ذكراك ما أصعب الفقد..!!
ياسرٌ أنت .. لا نبككَ لأنك وارف ُ الحضور، صورتكَ البهية محفورة في جميع الأمكنة، نعم … أنت الاستثناء لا غيرك جمعت بين الفرحة والحزن، بين الثورة والسياسة، بين الموت والحياة نعم انك الاستثناء الباقي و ” الجبل الذي لم تهزه الريح فهزه القدر ” .