الواسطات والمحسوبيات فقدان للاخلاق والمهنية!

الواسطات او المحسوبيات في “التعيينات” في الوسط العربي، تهيمن الى حد بعيد، على نقطة البداية لمجتمع يريد النهوض بأبنائه وبناء ما تهدم من قيم واخلاق ومبادئ في الآونة الاخيرة، اذ تتغيب الاخلاق التي كانت مقدسة في الفترة الذهبية فترة الأجداد، وقد استشرى في المجتمع، العنف والغش واّفات سلبية كثيرة من ضمنها ثقافة الواسطات والمحسوبيات!.

نخص في هذا التقرير موضوع التعيينات في جهاز التربية والتعليم. و”واسطات” التوظيف في المؤسسات التابعة للجهاز التربوي كالمدارس ورياض الاطفال ومراكز تأهيلية وغيرها، التي تقتصر على أبناء وأقارب من لهم مصالح خاصة مع كبار موظفي الدولة والمؤسسات الحكومية او نشطاء احزاب من اليمين واليسار او السلطات المحلية. كذلك تكافؤ فرص التعيين والنقل للأقارب والانساب والمعارف فقط، ولا يزال تعيين الآلاف من المعلمين والمعلمات او المدراء والموظفين والمرشدين ووظائف اخرى في الحقل التربوي تتكدس في مدارس مجاورة لبيوتهن دون اي اعتبار لمؤهلاتهن او افضليتهن او اولويتهن او الحاجة الفعلية لهن، وبعضهن تخرجن حديثا دون اقدمية او خبرة، في حين الخريجات من المعاهد الكليات والجامعات من المتفوقات المحرومات من “الواسطة” عاطلات عن العمل.

وبالرغم من ان سياسة التعيينات والتوظيفات في الجهاز التربوي قد تغيرت استراتيجيا ومعايير بحسب نقاط، ومن يجمع اكثر نقاط يأتيه الدور بالتعيين او النقل لمكان طلبه، الا ان هذه السياسة لم تُسعف ممن يملكون الكفاءات والمهارات العالية، فيتم الإلتفاف حتى في هذه الطريقة ، والنقاط بازدواجية من يتعين ويعمل تضاف له نقاط اعلى ومن لا يملك الواسطة لا يمكن ان يعيين او يوظف ليحصل ايضا على نقاط، اي الكرة تتدحرج للواسطة سواء جمع النقاط او دونها، وبدلا من توفير فرص عمل لتلك الفئة وفقا للكفاءات العالية التي مردودها على الطلاب ونجاعة التعليم، الا ان هذه الكفاءات تضمحلّ وشبه معدومة من المؤسسات التعليمية التربوية ،ما يعتبر مساً وانتهاكا بالآخرين الذين لا يملكون “الواسطه “، وحتى الواسطه تبين انها اقوى من قرار المحكمة والتي باتت تهيمن على القضاء.

العديد من الروايات التي سردها معلمون ومعلمات، حظوا على اجسادهم عواقب الواسطات والمحسوبيات في اروقة الجهاز التعليمي في الوسط العربي.

 تقول احدى المعلمات :” “قبل نحو 7 سنين أقوم بترتيب الالتماس في بيانات النقل، وفق معلومات ومعطيات تؤكد احتياج تلك المدرسة لتخصصي في تدريس الموضوع المطلوب، ثم أتفاجأ بالنتيجة، والجواب الذي تلقيته انه لم يتم قبول طلبي.

وأضافت: “المفاجأة الأكبر أنه لم يتم نقل أي معلم بنفس التخصص المطلوب لسد الاحتياج في المدرسة لدى الطلاب، ومع بداية العام الدراسي ستضطر المدرسة التعامل مع افتقار معلم في الموضوع المطلوب في تلك المدارس وخلافها بالانتداب والإكمال الذي يتم وفق محسوبيات لا يجهلها من هُم في السلك التعليمي”.  حيث يتم نقل من له الواسطة الاكبر”، على حد تعبيرها.

وبيّنت: “هذه المشكلة يعاني منها الكثير من الإخوة المعلمين، فهم بحاجة لان نقلوا الى مدارس يرغبونها على الاخص داخل البلدة التي يسكنون فيها، ويقومون بكتابة الطلبات، ثم يتفاجأون بعدم قبول طلبهم، على الرغم من الحاجة الماسّة لهم لسد الاحتياج في المدارس المطلوبة”.

وفي تعقيب اخر لمعلمة، قالت:” لقدم قمت بنقل بياناتي الى مدرسة معينة مع تحديد الموضوع المطلوب من المدرسة، وفي بداية السة الدراسية، رُفض الطلب الذي قدمته مع ان المدرسة لم تات بمعلمة من الموضوع المطلوب، ويعد الفحص تبين لي ان المدرسة اعطت الساعات الناقصة لمعلم اخر من المدرسة، مع انه لا يُدرس الموضوع المطلوب، الا انني جُبرت بان افضل في مكان عملي بعيدة نحو 50 كيلومتر من بيتي وعن اولادي”.

نموذج اخر حي على ما يجري في اروقة الجهاز التربوي المعلمة من المثلث نموذجا واقعيا يُبين هيمنة المحسوبيات على القضاء، وبعد ان حصلت على قرار محكمة اثر شكوى قضائية قدمتها مع معلمتين سوية وتم تعيينهن باستثنائها.

كانت تلك المعلمة قد تأهلت باللقب الاول اكثر من عشرين عاما، عملت مربية روضة خاصة لأطفال العائلات المحتاجة مدة خمسة عشر عاما وبتطوع، في العام 2013 عملت في روضها الخاصة مربية حينذاك طالبتها البلدية بالعمل بنفس الروضة بعد الاتفاقية مع وزارة التربية والتعليم، التعليم الالزامي لجيل الطفولة من 3-4 اعوام وعملت في العامين 2013 و2014، واغلقت البلدية الروضة وتوزعت الوظائف للمربيات على رياض اطفال في اماكن بعيدة، لم تسنح لها الفرصة في التعيين كالأخريات، طالبت في الوقت الذي طالبت به معلمتين وتوجهن الى الوزارة برسائل متكررة طلبا في التعيين دون جدوى، وكانت ذات يوم في العام المنصرم قد قدمت بشكوى في وزارة التعليم على عدم تعيينها وكل مسؤول يركل الكرة للأخر وهي بين الحيرة والقهر وتساؤلات دون اجابة وتوجهت بشكوى قضائية في المحكمة والتي اقرت التوصل لاتفاق حل وسط ان يتم تعيينهن الثلاث عندما تفتح البلدية الروضات الجديدة ومؤخرا تم تعيين المعلمتين في اماكن اخرى دون التطرق لتعيينها.

وكان احد المدراء قد طالبها بالعمل بديلة لمربية في اجازة ولادة، وعندما تقدمت للوزارة تم رفضها، وبسبب شكواها قالت احدى المسؤولات عن التعيينات “لن يتم تعيينها بسبب تقديمها شكوى “، ولهذا تعاقب المعلمة لعدم تعيينها واضمحلال الامل في التعيين.

Exit mobile version