العلم والتقنية وتأثير المناهج الدراسية العربية في أحدث التقنيات العالمية
كان العام 2015 مليئًا بالأحداث التقنية على كافة الأصعدة، فمن الأجهزة الذكية كالهواتف والحواسب اللوحية، إلى التطبيقات وخوارزميات الذكاء الصنعي، مُرورًا بالصعود إلى الفضاء وإرسال صور دقيقة لكواكب كانت مُجرّد تخيّلات، وانتهاءً بأجهزة تقنية قابلة للارتداء تقيس نشاط المُستخدم من خلال معصم اليد أو من خلال وضعها داخل العين مثل العدسات اللاصقة، دون نسيان أجهزة الكشف عن نسبة السكر في الدم وتحليله دون عناء أبدًا.
ولو طُرحت هذه الأفكار قبل 15 عام من الآن، لوصف طارحها بالمجنون، فكيف يُمكن لعدسة لاصقة توضع داخل العين أن تُعطي الكثير من التفاصيل عن صحّة المُستخدم؟ أو كيف يُمكن لعدسة نظّارة شفّافة تمامًا أن تعرض نافذة غير موجودة في المشهد الحقيقي؟
وعلى الرغم من أننا نُعاصر الثورة التقنية بأشكالها المُختلفة، إلا أن الكثيرين ينظرون لها نظرة الاندهاش، متبوعة بتساؤل مهم يتلخّص بـ ” كيف أمكنهم القيام بذلك ؟ “، ثم ننتقل للشمّاعة – كما أُحب تسميتها – التي نُعلّق عليها تقصيرنا في هذا المجال ونكتفي بدور المُتفرج فقط، واضعين طاقاتنا الكامنة في هموم حياتية من المفروض أن لا نضيع وقتنا فيها لأنها في البلدان المُتقدمة من الحقوق وليست من الأحلام!
النظرة السوداوية أو نظرة اليأس السابقة ينبثق منها بصيص من الأمل موجود في أهم منظومة في بلداننا العربية – ليست منظومة الدفاع العسكري بكل تأكيد – وهي منظومة التعليم.
قد ننظر إلى نظّارة جوجل Google Glass على أنها اختراع تقني هائل، وهي بالفعل كذلك، لكن نظرة الذهول تُغطّي على بساطة المبدأ العلمي المُستخدم فيها، بعد تجريد الكثير من المفاهيم التقنية، الذي لا يُمكن لأي شخص أنهى المرحلة الإعدادية عدم الإلمام به.
الموشور Prism أو المنشور كما يُسمى في بعض الدول هو عبارة زجاج شفّاف من الوسط، يُساعد في تحليل الضوء إلى ألوانه الأساسية أو ألوان الطيف إن صح التعبير، وبالتالي يدخل الضوء بلونه الأبيض، ليخرج من الطرف الآخر بألوان الطيف المُختلفة.
هذا الموشور ذاته الذي لطالما تحدث عنها أساتذتنا الأفاضل في المدارس هو ما تعتمد عليه نظّارة جوجل الذكية، فباستخدامه يتم إدخال الصورة التي ترغب النظّارة بعرضها لتخرج من الطرف الآخر للموشور إلى شبكية العين Retina مُحدثة الرؤية للصورة التي تظهر بطريقة لطالما أذهلت العالم.
فلنترك نظّارة جوجل وموشورها قليلًا، ولننتقل إلى ويندوز فيزتا Vista من مايكروسوفت، لو عدنا بالوراء قليلًا وتحديدًا إلى ويندوز XP لوجدنا أن الآيقونات الموجودة داخل النظام لا يُمكن تكبيرها، أو عندما يتم تكبيرها تظهر بشكل نُقاط بشكل قبيح بعض الشيء.
لكن في ويندوز فيزتا عولجت هذه المُشكلة إلى حد كبير، وأصبح المُستخدم قادرًا على تغيير حجم الآيقونة كيفما يشاء دون أن تتأثر دقّتها أبدًا، وهذا المفهوم نفسه أصبح مُستخدمًا في الويب من خلال خطوط خاصّة لهذا الغرض.
الفكرة وراء تبنّي الآيقونة الحجم الذي يرغب به المُستخدم دون مشاكل هي الأشعة ( المتجهة ) Vector، فعوضًا أن تكون الآيقونة عبارة عن نقطة أو مجموعة نقاط ثابتة، تم تمثيلها في فيزتا باستخدام الأشعة الهندسية التي تبدأ من نقطة ثابتة ينطلق منها الشعاع في وسط ثُلاثي الأبعاد دون أن يتأثر.
فلننسى أيضًا الهندسة والرياضيات ونعود للفيزياء من جديد بأحد أشكالها البسيطة، من منا لا يذكر القانون: المسافة تساوي السرعة مضروبة في الزمن ؟ أشك أن أحدًا لم يسمح بهذا القانون قط، لكن أين يُمكن إيجاد تطبيقه في العالم التقني؟
إذا كُنت من مُحبّي السيارات فهذا القانون مُستخدم في نظام المُستشعرات ( الحسّاسات) Sensors الموجودة على جوانب السيارة، والتي تخبر السائق عن المسافة المُتبقيّة بينه وبين أقرب عنصر خلفه أو أمامه ليتجنّب الاصطدام به، وهذه العملية تتم من خلال مُرسلات أشعّة ومُستقبلات تنتظر انعكاسها لقياس الزمن الذي قطعته لتنعكس من جديد بعد إرسالها بسرعة مُحددة.
طبعًا جميع الأمثلة الواردة في الأعلى هي أمثلة مُجرّدة من التقنيات العالية المُستخدمة، أو قد تكون من المبادئ التي لم يعد الاعتماد عليها أساسيًا بفضل التقنيات الحديثة، لكنها وبكل تأكيد كانت ولا تزال جزءًا لا يتجزأ من أساس التقنية الحديثة.
العلم والتقنية من العناصر المتوفرة في وطننا العربي، لكن ما ينقصنا هو الأسلوب لتوظيفها بشكلها الصحيح. لا يُمكنني لوم أساتذنا الأفاضل على عدم إضافة المتعة إلى المناهج، لكن من الضروري جدًا أن يتم إيجاد حل لهذه المُشكلة، فالمعلومات التي ندرسها ليست قديمة، لكن أسلوب تقديمها للطالب هو الأهم من وجهة نظر شخصية، دون إهمال الجزء الأهم الذي يقع على عاتق الطالب نفسه أيضًا.
أن تلوم شخص بعمر يتراوح بين 12 سنة و18 سنة يُعتبر من الأمور التي لا يقبلها المنطق العقلي خصوصًا أن اللوم يأتي من أشخاص لا يقل عمرهم عن الثلاثين، وبالتالي خبرة الحياة التي حصلوا عليها أعلى بكثير من الطلاب.
لا يُمكن لمعادلة رياضية أن تكون صحيحة إلا في حالة تساوي الطرفين بطريقة أو بأُخرى، ولهذا السبب يجب أن يبذل طرف المعادلة الأول – وهو الطالب – جُهدًا أكبر في محاولة الربط بين المعلومات التي يحصل عليها من المدرسة مع الأمور التي يحبها والتي يعتبرها من شغفه. أما الطرف الثاني المُتمثّل بالهيئة التدريسية فالثقل عليهم أكبر لمحاولة مواكبة ما يدور حولنا من أحداث تقنية على كافة الأصعدة ومُحاولة تضمينها أو تقديمها كمثال دون الخوض فيها كثيرًا لترغيب الطلاب بالعلم أكثر وأكثر.
صحيح أن العلاقة بين الطالب والمُدرّس هي كالمعادلة، لكن يجب أن لا ننسى أن الطالب هو طرف بمجهول واحد وليكن س أو X – كما يحلوا للهيئات التدريسية العُليا تسميّته ظنًا منهم أن ترميز المجاهيل باللغة الإنكليزية يعني أن المناهج أصبحت عالمية – لكن الطرف الآخر بمجاهيل كثيرة كون خبرته الحياتية أعلى، لهذا السبب يلعب الدور الأكبر في إيجاد قيم هذه المجاهيل لكي يتساوى طرفه مع الطرف الآخر.