مقال مقدم من الشاب “محمد سليم مصاروة” صيدلي وماجيستير في علوم الادوية، حول عمل شركات التبغ ومؤامراتها لجعلنا مدخنين ومدمنين اكثر على الدخان، من اجل استرار حصد المليارات من النقود على حساب صحتنا، وكيفية تسويقها للمدخن.
شركات التبغ شركات عملاقة
تعتبر شركات التبغ من أضخم الصناعات ربحاً في العالم، فميزانيتها توازي ميزانيات دول بأكملها، بل وتفوق أرباحها الناتج القومي لمجموعة من الدول (انظر رسم1). في عام 2010 بلغ مجموع أرباح أكبر 6 شركات تبغ في العالم 3.5 مليار دولار.
شركات التبغ عبارة عن لوبي قوي داخل الحكومات
في عام 2010 استهلك المدخنون 509 تريليون (مليون مليون) سيجارة، تقريبا 20% من العالم مدخنون للسجائر ، نتيجةً لذلك تتحمل وزارات الصحة في العالم وبالذات دول العالم الثالث مصروفات ضخمة لعلاج الامراض الناتجه عن التدخين ، تسبب السجائر بموت 6 ملايين شخص سنوياً. من ناحية ثانية تشكل المبالغ العائدة من الضرائب على منتوجات التبغ جزءًا ليس بالقليل من مدخولات الدول، هذا الأمر جعل من شركات التبغ أحد الأجسام القوية في الحكومات فهي تعمل من وراء الكواليس بحيث انها تمول بطريقة غير مباشرة حملات انتخابية لأعضاء برلمانات ومجالس حكم حتى تجندهم لصالحها ومن ثم يقوم اؤلئك السياسيون بمنع او الحد من تشريعاتٍ التي من شأنها ان تحارب التدخين وتصعب على شركات التبغ بيع منتجاتها.
عن طريق الخداع ، كيف دخلت النساء عالم التدخين ؟
حتى اوائل القرن العشرين لم يتقبل المجتمع الامريكي فكرة تدخين المرأة، كان ذلك يعتبر عملاً لاأخلاقياً وكثيراً ما تم سجن نساء مارسن التدخين في العلن ، إستمرت تلك الفكره حتى 1923 كان ذلك في نيويورك ،أثناء مسيرة عيد الفصح الحاشده بحضور كثيف لوسائل الإعلام ، قامت مجموعة من الفتيات اليافعات بإشعال السجائر وتدخينها ، أطلقت وسائل الاعلام على ذلك الحدث اسم ( مشاعل الحرية) تم تسويق ما تم تحت مسمى حقوق المرأه ومساواتها مع الرجل تم مرافقة ذلك الحدث بالكثير من الاعلانات التي دعت لحرية المرأة ( أنظر رسم 2)، لكن القليلين جداً كانوا على علم ان شركات التبغ كانت الجسم المموّل لتلك الحملة، كان الهدف الخفي اختراق عالم النساء وكسبهن كمدخنات دائمات وقد تحقق ذلك بالفعل.
لشركات التبغ جيوش من المحامين، الأطباء والعلماء مهمتهم تصوير شركات التبغ على أنها نزيهة وشفافة ولا تضر بالصحة العامة، لكن الحقائق التاريخية أثبتت العكس تماما. وإليكم بعض الامثلة:
1. بسبب نتائج أبحاث (دول وهيل) في أواخر الخمسينات من القرن الماضي والتي أثبتت أن الدخان مسبب للأمراض المزمنة القاتلة ، قررت الهيئة العامة الطبية الأمريكية في عام 1964 تصنيف التبغ كمادة مسببة للإدمان، من جانبها قامت شركات التبغ بخطوة استباقية بتقديم اعتراضات وشروحات لمعنى المصطلح “ادمان” من خلال حملات إعلانية والتي نجحت من خلالها إقناع الهيئة العامة بتصنيف مادة التبغ كمادة تؤدي إلى ممارسة “عادة ما” وليس ادماناً. وقد استمر ذلك حتى 1988 حيث تم تصنيف التبغ كمادة مسببه للإدمان.
2. نجحت شركات وليامز وبراون عام 2001 في قضية رفعتاها ضد هيئة الغذاء والدواء الأمريكية حيث حكمت المحكمة لصالح شركات التبغ واعتبرت أن التبغ لا يصنف كمادة ذات تأثير طبي وعليه فلا يجب إخضاع السجائر ومشتقاتها لأنظمة الأدوية والمستحضرات الطبية.
3. في عام 2009 قررت حكومة الاوروغواي تطبيق معاهدة الحد من انتشار السجائر ولذلك قامت بتحديد الكلمات الدعائيه التي يمكن طباعتها على علب السجائر كذلك ارغمت شركات التبغ بكتابة تحذيرات من التدخين وطباعة صور تظهر أضرار التدخين على علب السجائر. على الفور قامت شركة فيليب موريس برفع دعوى على حكومة اوروغواي تدّعي فيها أن هذه الأنظمة تضر بعلامتها التجارية وتمس بحرية التجارة، حتى اليوم لا يعرف كيف انتهت تلك القضية.
شركات التبغ تهمها الأرباح دون الالتزام بالأخلاقيات ولا تهمها حياة البشر
بعد الكثير من المعارك والاستئنافات القضائية بين جمعيات محاربة التدخين وشركات التبغ، تمَّ اجبار الشركات على الكشف عن وثائقها الداخلية وقد كشفت هذه المستندات عن الكثير من الحقائق الصادمة والتي كانت شركات التبغ تُنكرها، تبيَّنَ ان شركات التبغ كانت تعلم منذ الستينيات من القرن الماضي عن حقيقة كون التبغ مادة مُسببة للادمان، مُسرطنة وقاتلة. وبالرغم من ذلك كانت وما زالت تضيف المزيد من مادة النيكوتين وتزيد من تركيزه كي تجعل الشخص المدخن اكثر ادمانًا واضافة مادة الامونيا كي تسرع من امتصاص الدماغ للنيكوتين للحصول على التأثير بشكل اسرع ( في اوائل القرن العشرين كانت شركات التبغ تغمس التبغ في بول البقر).
تُضيف شركات التبغ الكثير من الكيماويات لتجذب اليها مدخنين من شتى قطاعات المجتمع كإضافة نكهة النعناع للنساء، اضافة السُكر لجذب الاولاد.
حتى قبل عدة سنوات كانت تكتب على علب السجائر إضافة “لايت-خفيف” كانت الفكرة السائدة لدى جمهور المدخنين ان هذه السجائر “آمنة” وانها تحتوي على كمية قليلة من السموم , لكن الحقيقة ان من دخن سجائر اللايت كان مثله كمثل من دخن السجائر العادية كلاهما إستوعبا نفس الكمية النيكوتين ، استطاعت شركات التبغ خداع السلطات والناس لسنواتٍ طويله، إضافةً الى ذلك تبين الوثائق ان شركات التبغ كانت وما زالت تعمل عن طريق الدعاية على تجنيد مدخنين جدد من قطاعات جديدة ( من بين تلك القطاعات النساء في العالم العربي والهند)، تشير الوثائق الى ان الشركات كانت تعلم بأضرار التدخين السلبي او الثانوي أي استنشاق الدخان من شخص مدخن بالجوار، لكنها ادعَّت ان الحدّ من حرية التدخين في الاماكن العامة فيه تعدٍ على الحرية الشخصية للأفراد.
كيف تدعو شركات التبغ الى منتجاتها ؟
كما ذكرت في المقال السابق فان من بين كل مدخنين اثنين واحد منهما سيموت بسبب التدخين بمعنى اخر، لو لم تقم شركات التبغ بالدعاية لمنتجاتها فان شريحة المدخنين سوف تقل بالنصف ، لكن المعطيات تشير الى ان عدد المدخنين يزداد (بالأساس في شرق اسيا وافريقيا والدول العربية). تعمل شركات التبغ على زيادة ارباحها عن طريق تسويق منتجاتها اما بالدعاية المباشرة واما بطرق ملتوية خفية ايحائية.
طرق الدعاية المباشرة
اعتادت شركات التبغ منذ مطلع القرن العشرين على استعمال مشاهير من عالم الفن والترفيه لتسويق سجائرها ربطت شركات التبغ السجائر مع كل ما من شأنه ان يغري المشاهِد: الرجولة، القوة، الجمال والاناقة، الجنس، الجاذبية الجنسية (للمرأة) الحرية (للمرأة) ، لا تفوت شركات التبغ كل فرصة سانحه كي تسوّق نفسها على انها شريكة فعاله في دعم المجتمع مثل رعاية احداث رياضية (انظر رسم ٣) تقديم رعاية للجنود,المشاركه في احداث وطنية وفي كثير من الحالات تظهر شركات التبغ بمظهر الداعم للأبحاث العلمية وحتى لأبحاث في مجال السرطان !.
الدعاية للتبغ بطريقة غير مباشرة: مع مرور السنوات أخذت حكومات الدول خاصة في العالم الغربي تقيد الدعاية للدخان وأخذت تحارب عادة التدخين هذا الامر دفع شركات التبغ الى القيام بالدعاية لمنتوجاتها بصوره ملتويه ايحائيه ،اليكم بعضاً من الامثلة:
1. دفعت شركات التبغ وبضمنها “فيليب موريس” اموالاً الى مخرجي أفلام في هوليود لقاء تصويرهم لعلب السجائر ضمن مقاطع الفيلم ليبدو الامر عفوياً بقصد الدعايه والإيحاء للمشاهد بأن السجائر امر طبيعي ومقبول .
2. في عام 1983 دفعت شركة ويليامز الى الممثل سيلفيستر ستالون 500 الف دولار لقاء قيامه مع ممثلين اخرين بتدخين سجائرهم في 3 أفلام قام ببطولتها، هذه الحالة تكررت في ألكثير من الأفلام لا مجال هنا لذكرها كلها.
3. قامت جمعية مكافحة التدخين في البلاد بتقديم اعتراض ومسائلة لمعدي برنامج “الأخ الأكبر” لان الغالبية العظمى من المشتركين في البرنامج مدخنين، وقد أثار هذا الامر الشك بأن يكون من بين ممولي البرنامج المذكور شركات تبغ بدورهم ادعى القائمون على البرنامج بأن اختيار المشتركين عشوائي ولا دخل لشركات التبغ في الامر عندها رد عليهم المستأنفون بأن أعلى نسبة تدخين في البلاد موجودة لدى الرجال العرب 50% ولكن نسبة المدخنين في البرنامج تتجاوز ال 90% !.
في نهاية المطاف شركات التبغ هي شركات ربح جشعة يهمها أن تجند مدخنين طوال الوقت وهي لا تبالي بنتائج التدخين ولا بحياة البشر, تنهج هذه الشركات منهج الخداع والتمويه لإقناع الناس بالإدمان على سجائرهم.
في المقال القادم سأتناول موضوع الإدمان وكيفية التغلب عليه .
روابط ذات صلة:
كيف صرنا ندخن؟ وإلى أي مدى منتجات التبغ مضرة؟! بقلم:-محمد سليم مصاروة