مقال حول التدخين وإلى أي مدى منتجات التبغ مضرة، بالارقام والاحصائيات مقدم من محمد سليم مصاروة صيدلي وماجيستير علوم الادوية.
السلام عليكم ورحمة الله، في سلسلة المقالات هذه سأحاول أن أبرز جوانب من أضرار التدخين ودور شركات التبغ في جعلنا مدخنين، وكيف يمكننا أن نخرج أنفسنا من دائرة الإدمان إلى بر الأمان.
مقدمة: يعتبر تدخين التبغ من أكثر الأسباب الأساسية التي تؤدي إلى الوفاة في أنحاء العالم سنويا، ولو توقف الناس عن التدخين لأنقذت الكثير من الأرواح.
إليكم بعض الأرقام: في الولايات المتحدة يقدر عدد الوفيات بسبب منتجات التبغ 480 الف شخص، في بريطانيا 100 الف، في العالم أجمع يموت سنويا 6 ملايين شخص!! هذا الرقم يشمل المدخنين السلبيين ( الذين لا يدخنون مباشرة وإنما يستنشقون الدخان من سجائر مدخن بقربهم). يتوقع أن يصل العدد بحلول 2020 إلى 7 ملايين متوفى سنويا 70% منهم من الدول النامية. بالإضافة إلى ذلك، يتوقع مع انتهاء القرن ال 21 أن تقتل منتجات التبغ(السجائر، النرجيلة والغليون) مليار شخصاً.
مقابل كل شخص يموت بسبب السجائر هناك 20 آخرون يعانون امراضا مزمنة بسببها.
يصيب التبغ كل أعضاء الجسم بالتلف بسبب انخفاض مستوى التفاعلات البيوكيميائية الحيوية في الجسم، وفي حالات يؤدي إلى تعطيلها ، وإلى تراكم السموم ومواد مؤكسدة ذات قدرة مسرطنة، في نهاية الامر ينهار التوازن في خلايا الجسم وهذا يؤدي إلى هبوط في نجاعة عمل الأعضاء في الجسم وربما تعطيلها. ( انظر رسم 1- تلخيص الأمراض الناجمة عن التدخين).
نبذة تاريخية موجزة: عرفت البشرية التدخين منذ 2000 سنة قبل الميلاد وكان ذلك في القارة الامريكية. كانت نبتة التبغ قد نمت في البراري قبل 8000 عام، وحينها اكتشفها الهنود الحمر لاحقا. أخذوا يمارسون عادة التدخين ومضغه في طقوسهم الدينية. اكتشف كولومبوس القارة الأمريكية عام 1492 وكان التبغ ضمن الاشياء التي أخذها إلى أوروبا. بدأت زراعة التبغ في أوروبا عام 1531، بحلول عام 1600 أصبح الدخان منتشرا ومألوفا في القارة الأوروبية، في القرن ال 18 نشأت في اوروبا شركات لتصنيع التبغ واخترعت آلة للف السجائر. في أوائل القرن العشرين وبالتحديد عام 1920 ظهرت تقارير طبية هنا وهناك مفادها أن التدخين قد يؤذي الصحة، لكن النظرة السائدة كانت أن تدخين السجائرغير مضر بل مفيد ومستحب! .
كان استهلاك السجائر في العالم في ازدياد، وقسم من ذلك الازدياد يعود الى أن السجائر وزعت مجاناً على الجنود في الحربين العالميتين الأولى والثانية.
منذ منتصف القرن العشرين ازداد عدد التقارير عن كون السجائر مضرة بالصحة، من جهة اخرى قامت شركات التبغ بتكثيف حملاتها الدعائية والترويج للسجائر مستخدمة في ذلك مشاهير من هوليوود وبنفس الوقت روجت لفكرة أن السجائر غير ضارة بتاتا.
منذ أواخر الثمانينات في القرن الماضي تثبتت فكرة أن السجائر قاتلة ومضرة، ومنذ ذلك الحين أخذت اعداد المدخنين في العالم الغربي بالهبوط وأصبح ينظر إلى التدخين نظرة سلبية. نتيجة لذلك ركزت شركات التبغ (وما زالت) جهودها على إيجاد أسواق بديلة ومدخنين جدد في شرق اسيا، افريقيا والعالم العربي وبخاصة النساء لأن نسبة المدخنات العربيات منخفضة (بعكس المدخنين العرب) لذلك فهن يشكلن صيدا ثمينا لشركات التبغ.
ما هو وضع التدخين في الوسط العربي ؟
بحسب دراسة أجريت في البلاد حول نسبة المدخنين من كليّ الجنسين في الوسطين العربي واليهودي عل مدار 20 عاما (انظر رسم2)، برزت حقائق ومعطيات هامة ومثيرة للقلق.
1. في الوقت الذي تنخفض فيه نسبة التدخين لكليّ الجنسين في الوسط اليهودي، تزداد هذه النسبة في الوسط العربي.
2. أعلى نسبة مدخنين في البلاد موجوده عند الرجال والشباب العربي بمعدل 50% أي أنه من كل شخصين عربيين واحد منهما مدخن مزمن. هذا المعدل لا ينخفض بل يزداد.
3. يلاحظ ازدياد في نسبة المدخنات العربيات منذ العشر سنوات الأخيرة خذوا بالحسبان أن عدد المشتركات العربيات في الاستطلاع لم يكن كافيًا لاستخلاص النتائج الإحصائية بشكل متين وأن أغلب الاحتمال أن عدد النساء والفتيات العربيات المدخنات اعلى من المعدل في الدراسة 9.7% لأن عادة التدخين عند النساء لا تمارَس في العلن بسبب كون ذلك مرفوض اجتماعياً.
هذه الدراسة تناولت تدخين السجائر ولم تتناول تدخين النرجيلة واذا ما أخذنا ذلك في الحسبان فإن الأرقام بالنسبة للوسط العربي ستكون أكبر.
كيف إنتبه العالم لاضرار التدخين لأول مرة؟
كما أسلفت كانت الفكرة السائدة عند الرأي العام الاجتماعي والطبي في الغرب أن التدخين لا علاقة له بالصحة بل قد يكون مفيدا، حتى أُجريت أول وأطول دراسة علمية تتعلق بالتدخين ونتائجه قام بذلك طبيبان بريطانيان (هيل) و (دول), امتدت هذه الدراسة لمدة 50 عاما (1951-2001). قاما الباحثان بإرسال الاستمارات الى كل الاطباء في بريطانيا, اشترك في البحث 40701 طبيبا. قام الاطباء المشتركون بالبحث، بتعبئة استمارات تتضمن معلومات عن كونهم مدخنين ام لا, وكم يدخنون في اليوم, والابلاغ عن حالتهم الصحية، في حالة وفاة اي مشترك ابلغت وزارة الصحة الباحثين.
قام المشتركون بتعبئة استمارات 7 مرات ابتداء من 1951 حتى 2001. ادى العدد الضخم للمشتركين في البحث الى كون نتائج البحث قوية من الناحية الاحصائية وقاطعة علمياً.
نُشرت النتائج الاولية عام 1956 وقد احدثت صدمة للمجتمع الطبي في اوروبا وامريكا حيث انه وجدت علاقة قوية ومباشرة بين السجائر وبين الامراض والوفاة. كان ذلك اول اثبات لضرر التدخين على صحة افراد المجتمع. استمر الباحثان بنشر نتائج بحثهما المتواصل كل عشرة سنين ومن مرة لأخرى تأكدت الحقائق التالية:
1. يعيش المدخن بالمعدل 10 سنين اقل من غير المدخنين
2. 50% من المدخنين يموتون بسبب امراض تسببها السجائر, وكلما ارتفع عدد السجائر المُدخنه يومياً كلما إرتفع احتمال الموت المبكر.
3. التدخين سبب مباشر لأمراض القلب والاوعية الدموية.
4. كلما امضى المدخن عمرا اطول في التدخين, هكذا يرتفع احتمال موته بسبب سرطان الرئة (انظر رسم 3).
5. من لم يُدخن احتمال موته بسبب سرطان الرئة يقارب الصفر, ومن يتوقف عن التدخين يقلل احتمال موته بسبب سرطان الرئة خاصة في سن الشيخوخة وهو مرشح لان يعيش سنوات اكثر مقارنة مع من يستمر بالتدخين.
“في المقال القادم سأتناول ان شاء الله دور شركات التبغ في اقناع الناس بالتدخين”