في هذا المقال الاخير من سلسلة المقالات من الصيدلي وحاصل على ماجيستير في علوم الادويه “محمد سليم انقر” حول موضوع التدخين والدخان والادمان عليه والتخلص منه، يتناول انقر كيفية الادمان على السجائر وكيفة التخلص منها ؟.
يقر كل مدخن بأنه صار مدمنا على السجائر والارجيلة ويتمنى لو يستطيع ترك ذلك. تحتوي السيجارة الواحدة على 25 مادة مسرطنة إلى جانب النيكوتين المتسبب بالادمان.
ما هو الإدمان ؟ وماذا يحدث للدماغ؟
الإدمان هي حالة تكرار رغبة شديدة لأخذ مادة ما أو القيام بعمل ما، لأن تحقيق الرغبة يجلب اللذة للمدمن. لكن كلما امعن المدمن في ادمانه، كلما أخذ مقدار اللذة بالتناقص وهذا يدفعه إلى زيادة الجرعة أو عدد الجرعات من المادة أو زيادة ممارسة العادة الادمانية. أمثله على ذلك: كوكائين، هيروئين، ماريخوانا، كحول، نيكوتين، القمار، حالات مرضية فيها إفراط بأكل الحلويات، التسوق والرياضة المفرطة.
هناك مناطق في الدماغ مرتبطة فيما بينها بمسارات عصبية تشكل هذه المناطق ما يسمى ب(منظومة المكافأة أو مسار اللذة)-انظر الرسم.
تقوم هذه المناطق العصبيه بمعالجة المعلومات العاطفية الواردة إلى الدماغ من الخارج ،من تجارب وانطباعات ومن ثم تخزينها بشكل شعور عاطفي.
تعتبر “اللوزة الدماغية” خزّان العواطف عند الإنسان من حب، حزن، خوف، قلق، متعة . للوزة الدماغية اتصال مع قشرة الدماغ الأمامي المسؤولة عن اتخاذ القرارات واصدار الحكم اذا ما كان على الشخص القيام برد فعل ما أم لا.
في حالة السرور والمتعة تقوم الخلايا العصبية على طول مسار اللذة بأفراز مادة الدوبّامين، وهو ناقل عصبي له عدة وظائف أحدها إضفاء الشعور باللذة والنشوة. في حالة الإدمان تكون عملية افراز مادة الدوبامين أعلى مما هي عليه في الحالة الطبيعية.
لكن مع تقدم الإدمان تُستَنزف قدرة الدماغ على ضخ الدوبامين، وهذا يدفع المدمن إلى الامعان في ادمانه لكي يحصل على اللذة المرجوة.
يجدر القول أن المخدرات، الكحول والنيكوتين تقوم بالتأثير على إفراز الدوبامين بطريقة تختلف فيما بينها لذلك تتباين شدة الإدمان عليها.
ما هي علاقة النيكوتين بالادمان؟
يصل النيكوتين إلى الدماغ، خلال ثوان ينتشر في الخلايا العصبية ومن ضمنها ” النواة المتكأة” (انظر الرسم)، هناك يرتبط النيكوتين بمستَقبلات النيكوتين، وهي عبارة عن بروتينات موجودة على غلاف الخلايا العصبية ولكل مُستَقبل مبناه الخاص. وحين ترتبط به المادة الملائمة فإن المُستَقبِل يقوم بتفعيل سلسلة من المواد الكيميائية داخل الخلية حتى تصل إلى النواة وهكذا عند ارتباط النيكوتين بالمستقبل تكون النتيجة النهائية إفراز الدوبامين. للدوبامين المُفرَز في” النواة المتكأة” دور حاسم في تطوير الإدمان والرغبة الشديدة (انظر الرسم).
أحد خواص الإدمان انه يغير الخلايا العصبية من حيث الليونة واتجاه نموها. هذه التغيرات تحدث في الأماكن المسؤولة عن الإرادة واتخاذ القرارات، بكلمات أخرى يقوم النيكوتين ببرمجة إرادة المدخن بحيث يجعلهامرتبطه بحصول المدخن على النيكوتين لتفعيل مسار اللذة من جديد. لهذا السبب يعاني المدخن ” الثقيل” من “عوارض الفطام” عند إنقطاعه عن الدخان مثل العصبية والاضطراب.
كيف نترك الدخان ؟
مما تقدم يتضح لنا مدى التعلق الشديد بالنيكوتين سواء من السجائر أو الارجيلة. على من يريد ترك التدخين أن يبحث مع نفسه ما السبب الذي يدفعه بالأساس إلى التدخين؟ وعليه أن يُصنف نفسه هل هو مدمن ثقيل أي يستهلك أكثر من 10 سجائر يوميا ام هو مدخن “خفيف” اقل من 10 سجائر يوميا أو مدخن “متقطع” أي يدخن أحيانا.
من السهل جدا على المدخن المتقطع أو الخفيف ترك الدخان لأن سبب التدخين في الغالب نابع من البيئة مثل بيئة العمل أو مناسبات اجتماعية، من المهم بأن يُقنع المدخن نفسه أن السجائر والارجيلة ربما تلائم المحيطين به، لكن لا تلاءمه وليس بحاجة إليها. عليه أن يعي انه اذا ما استمر في التدخين فإنه سيمعن في الإدمان لذلك فالمسألة تعود للإرادة والاقتناع الذاتي وهذا ليس بالصعب على هذه الفئة من المدخنين.
بما يتعلق بالمدمن أو المدخن الثقيل فلادمانه عنصران رئيسيان، أولهما الإدمان العضوي وهو ما سلف شرحه أعلاه حول تعلق الدماغ بالنيكوتين. وثانيهما، إدمان وعي المدخن على أن السجائر او الارجيله تخفف من توتر وضغوط الحياة اليومية وهذه نقطة هامه جدا لان هذا الاعتقاد يكون متأصلا ومبرمجا في مسار اللذة، لذلك على المدخن أن :
1. يبدأ ببث رسائل لنفسه ويبدأ في بناء اعتقاد آخر بأن التدخين لا يحل مشاكل ولا يخفف من ضغط الحياة، بل يزيد من الاضطراب والانتظار حتى إشباع الرغبه المتكرره في التدخين ، يجب بث فكرة انه لا علاقه بين مواجهة تحديات الحياه وبين تدخين السجائر .
عملية الإقناع الذاتي هي عملية مستمرة على المدخن أن يقوم بها بشكل فعال، فكلما مارسها المدخن أكثر كلما تقبل الدماغ هذه الفكرة، عملية الإقناع الذاتي مهمة جدا من اجل منع المدخن المنقطع عن التدخين من الرجوع إلى الدخان ،لأن القناعة المبنية سوف تقاوم الحاجة النفسية إلى إلى التدخين فى حالة حدوث أزمات نفسية حيث أن جهاز اللذة في الدماغ لن يكون مبرمجا تلقائيا على الحاجة إلى الدخان.
2. هناك حالات ينجح فيها المدخنون “الثقيلون” بترك السجائر مرة واحدة وكليا دون الحاجه الى بدائل ,قسم منهم سيعانون من عوارض ” الفطام” وهي عوارض زائلة قد تدوم لمدة 3 أيام كقلة الهدوء والاضطراب. بالطبع من المجدي جدا تحمل هذه العوارض والخروج من دائرة الإدمان. وهناك حالات يحتاج فيها المدخن إلى بديل عن النيكوتين، هناك مستحضرات بديلة في الصيدليات (بدون وصفة طبية )تحتوي على النيكوتين بشكل علكة أو لاصقات مهمتها تزويد الجسم بالنيكوتين ويخفف استعمالها تدريجيا حتى حالة الفطام.
هناك أدوية بوصفة طبية (زيبان وتشامبيكس) على شكل حبوب تؤخذ مرتان أو مرة في اليوم، هذه الأدوية أكثر نجاعة في الفطام من النيكوتين. ولعل دواء التشامبيكس هو الأكثر نجاعةً. يرتبط التشامبيكس بمستقبلات النيكوتين بدلاً عن النيكوتين ، تدوم عملية ارتباط التشامبيكس مده اطول من ارتباط النيكوتين بمستقبلاته ، لذلك تحدث عملية اشباع للدماغ وبهذا تزول حاجة الدماغ للنيكوتين. عند أخذ التشامبيكس مسموح للمدخن التدخين في بداية العلاج، لكنه سرعان ما يعزف عن طلب السجائر لأن الدماغ لن يطلب ذلك.
3. يجب تغيير العادات الملازمة للتدخين، فمثلا أن كان المدخن متعودا على مسك السجائر بين اصبعيه يمكنه الاستعاضة بسيجارة تحتوي على النعناع ( يمنع استعمال السجائر الإلكترونية لانها تحتوي على النيكوتين مثلها مثل السجائر العادية وهناك شكوك بان هذه طريقه أخرى لشركات التبغ لتسويق منتجاتها ) وان كان التدخين مقرونا بالأكل أو شرب القهوة يجب تغيير مواعيد الطعام وتناول القهوة ،او الانقطاع عن القهوة.
4. ترك التدخين يجب أن يكون مقرونا بإدخال عادات جديدة، من المهم جدا إدخال فعاليات رياضية مثل المشي، فمن شأن الرياضة ملئ الوقت وتسريع عملية إعادة توازن الدوبامين في الدماغ، من جهة ثانية يجب ترك العادات المشجعة على التدخين مثل ارتياد المقاهي ، على الأقل حتى تترسخ القناعة بعدم الحاجة الى السجائر، وربما تكون هذه فرصة للاكثار من القراءة، زيارة المسجد أو الانخراط في عمل جماهيري ما.
ليست السجائر قدرًا مكتوبًا على المدخن، السجائر تقصر العمر وتضر بجودة الحياة، ومن مصلحة كل مدخن ومدخنه أن يعمل على ترك هذه العادة القاتلة.