إن قضية هدم البيوت ليست وليدة اللحظة التي يهدم بها البيت، ومحاربة هذه السياسة لا يكون فقط بالاستنفار والوقوف أمام آليات الهدم ولا كيل الإتهامات لبعضنا.
فنحن جميعا نقف في ذات المركب المعطل ،ومن يعتقد أننا بهذه الطريقة سنسدل الستار على هذه الجرائم فهو واهم، إن سياسة هدم البيوت هي حلقة في سلسلة أكبر تهدف لقطع صلتنا بأرضنا وجذورنا وجعلنا قشة في مهب الريح ، لا وطن ولا أرض ولا بيت ولا مسكن، ولقطع التواصل واللحمة بين الأرض والأهل وبين الجيل القادم الذي أصبح محبط ، لا تربطه أي صلة ببلده وأرضه ، فمستقبله مشتت ونجاحه في حياته العملية لن يتأتى في هذه الظروف إلا في بيئة بعيدة عن بلده الذي فرغ من أي مضمون اجتماعي، ثقافي واقتصادي وأرضه التي أصبحت لا تخدمه بشيء سوى مزيد من الإحباط والاختناق الناجم عن كونه صار غريبا في بلده، فقد أغلق المدى بالمستوطنات والجدران والإعاقات التي تشكل عقبة أمام تطوره التعليمي والسكني، له ولذريته .
إن سياسة اقتلاعنا من أرضنا لا تقتصر فقط على الممارسة الهمجية في التخنيق على مسطحات البناء والتي تؤدي في النهاية لعدم استصدار رخص بناء وعدم المقدرة على البناء القانوني ، بل تعدت ذلك لعدم مقدرة الأجيال القادمة على البناء والعيش الكريم أصلا في ظل الحالة الإقتصادية المتدنية وأسعار مسطحات البناء التي لا تمكن أي منا اليوم على بناء مستقبل له ولأولاده في مسكن مستقل ذو ملكية خاصة .
إنها سياسة الإحباط التي تنتهجها السلطة تجاه الوسط العربي بهدف الوصول به الى التفكك والضياع والتشرذم ، وكل الأدوات سخرت لذلك ، حتى مستوطنة يد يتسحاك التي بنيت على أراضي الطيبة في خلال 10 سنوات ، مقابل البيت الذي هدم لعدم مقدرته استصدار رخصة بناء، والتي تذكر عماراتها الصخمة المارة بمحاذاتها صباحا إلى العمل ومساء وقت العودة من هم ألأسياد ومن هم العبيد الذين ارتضوا شارعا محاذيا يخنق فيهم ليس فقط الوقت والأعصاب بل يخنق فيهم أيضا الشعور بالإنسانية وكأن قدر أهل يد يتسحاك أن يمتصوا خيرات الطيبة وقدر أهل الطيبة أن يموتوا بغيظهم وإحباطهم وكرههم للعمل عند الصباح ولبيتهم وبلدهم المنكوب عند المساء .