من منا لم تخطر بباله تساؤلات كهذه ؟ اذ شغلت مسألة منشأ الكون وأصل الحياة بال البشرية منذ القدم وقد صنفت الاجابات عنها وما زالت تصنف الناس الى مؤمنين بوجود خالق واخرين معتقدين بصدفة الوجود وتطور الحياة من محض تفاعلات كيميائية ،هل وجود مخلوقات يستوجب وجود خالق ؟ ما هو احتمال نشوء بيت متكامل مع اثاثه دون وجود يدٍ بانيه ؟ هيا بنا نفحص هذه التساؤلات، بقلم محمد سليم مصاروة، صيدلي وماجيستير في علوم الادوية.
كيف نشأ الكون ؟
تعتبر نظرية (الانفجار العظيم ) النظريه الأكثر شيوعاً وقبولاً لتفسير نشأة الكون وذلك بسبب تمكُّن النظريه من تفسير المشاهدات الكونية وقدرتها على التنبؤ بحقائق تم اكتشافها لاحقاً.
بحسب النظرية كان كل الكون مختزلاً في نقطة واحدة ذات ابعاد هائلة الصغر ولكنها هائلة الضخامة من حيث الحرارة والكثافة، لم يكن هناك زمن ، مكان ، فراغ ، فضاء او اي شئ اخر ، كانت كل تلك الاشياء والمفاهيم داخل تلك النقطة. وفقاً للمعادلات الرياضية لنظرية النسبية العامة ( وهي احد ركائز نظرية الانفجار العظيم ) قبل 13،8 مليار عاماً تم حدوث انفجار ادّى الى توسع الكون وتضخمه ،انبثاق الماده والطاقة ،وبدء الزمان والمكان .
تفترض النظريه انه بعد 10 −37 من الثانية من الانفجار حدث تسارع بوتيرة التضخم في الكون ، بعد انخفاض وتيرة التضخم نتجت جسيمات المادة الاولية ( كوارك ، لبتون ،چلون)، كانت الحرارة هائلةً لذلك تحركت جسيمات المادة الاولية بسرعات ضوئية مصطدمةً طوال الوقت فيما بينها ،انتجت الاصطدامات جسيمات اولية من انواع جديدة وكذلك جسيمات اولية مضادة للمادة، وهي عباره عن جسيمات ذات نفس الكتلة ومتعاكسة بالشحنة ( أنتي كوارك ، أنتي لبتون ،أنتي چلون) ، أدت الاصطدامات المستمرة الى ظهور حالة اتزان وتساوٍ بين جسيمات المادة والمضادة للمادة، بعد ذلك ولسببٍ ما حدث تفاعل كوني ادى الى فائض طفيف جداً (1 من 30 مليون) من جسيمات المادة نسبةً الى الجسيمات المضادة للمادة.
استمرت المادة في التكون والحرارة في الهبوط ، عندها برزت للوجود القوى الكونية الاربع منفردةً عن بعضها البعض ، هذه القوى هي : الجاذبية ، الكهرومغناطيسية، القوى الذرية القوية وهي المسؤولة عن جعل نواة الذرة متماسكة، القوى الذرية الضعيفة وهي المسؤولة عن تفكك النواه وانطلاق الاشعه منها. بعدالإنفجار بواحد من المليون من الثانيه إرتبطت جسيمات المادة مع بعض لتنتج بروتونات ( ايونات هيدوجين )ونيترونات وبنفس النمط تفاعلت جسيمات المادة المضادة لتنتج بروتونات ونيترونات مضادة ،تصادمت جسيمات المادة مع المادة المضاده ليؤدي ذلك الى فناءا لجسيمات المتصادمة وانبثاق موجات من الاشعة في كل انحاء الكون ،تنبأت النظرية بوجود أشعة كهذه قبل ان يتمكن العلماء من رصدها في خلفية الفضاء بين المجرات والنجوم ويطلق عليها اسم (الاشعة الكونية ذات الموجات القصيرة او امواج الراديو )،ينسب العلماء انتشار الهيدروجين وعناصراخرى خفيفة في انحاءالكون الى التفوق الخفيف الذي كان بكمية جسيمات المادة نسبةً الى المادة المضادة قبل الإصطدام وفناء الجسيمات. بعد مرور دقائق هبطت درجة الحرارة الى مليار درجة مئوية لتتشكل ايونات عناصر الهيليوم والدوتوريوم ، بعد مرور 37900 سنه تعادلت كهربائياً ذرات الهيدروجين وايضاً غازات خفيفة أخرى، تكثفت الغازات بشكل غيوم ثم تكتلت لتصير اكثر كثافةً ، قامت المادة السوداء ذات الجاذبيه الهائلة بجذب تلك الغيوم لتلتأم وتتكون النجوم والمجرات ،وما زال الكون في تمددٍ وتوسعٍ في كل الجهات كدائرة آخذة في الكبر، وما زالت المجرات تتباعد الواحدة عن الاخرى بتسارعٍ كبير وكلما كانت اكثر بعداً من الارض كلما ازدادت تسارعاً.
بداية الكون ونهايته، والقوانين الفيزيائيه
قانون حفظ الطاقة والقانون الثاني للديناميكا الحرارية هما قوانين كونية مثبتة ينص الاول منهاعلى ان الطاقة لا تفنى ولا تخلق ومن الممكن تحويلها من شكل الى اخر (مثلاً حرق الوقود لتحريك السيارة ) ، في السرعات الضوئية نعاين العلاقة المباشرة بين الكتلة والطاقة مثلاً تنشطر نواة الذرة الى اجزاء بمجموع اقل من الكتلة الاصلية ويتحول الفرق بالكتلة الى طاقة ( هكذا تعمل القنبلة الذرية) كذلك تندمج انوية الذرات لتعطي نواةً اقل كتلةً من مجموع الكتل المتصادمة ليترجم الفرق بالكتلة بكم هائل من الطاقة ( مصدر الطاقة الشمسية ومبدأ القنبلة الهيدروجينية)،تؤكد نظرية الانفجار على وجود بداية للكون ، وينفي قانون حفظ المادة والكتلة إمكانية وجودهما من العدم ! وكأن الحقائق العلمية تصرخ بشدة : لا بد من وجود خالق للطاقة والمادة!.
ينص القانون الثاني للديناميكا الحرارية على ان المنظومات في الطبيعة تتفاعل بنسق يزيد من حالة التفكك وعدم الترتيب شريطة ان يتم ذلك ضمن نظام مغلق،اي لا يحدث فيه خروج او دخول للطاقة، (والكون برمته يعتبر جهازاً مغلقاً ) مثلاً إذا لم تحرك سيارتك لوقت طويل فان الاطارات ستفرغ وكذلك البطارية، سوف يكسو الغبار الهيكل وسيتآكل بسبب الصدأ، وهكذا بمرور الوقت ستصير المركبة الى حالة اكثر تقدماً من التفكك والانهيار. هذا المبدأ العلمي ينبئ بنهاية الكون وتفككه، يصور علماء الفيزياء الفلكيه كيفية حدوث ذلك بفرضيتين ، الاولى تدعي ان الكون سوف يستهلك كل طاقاته في التمدد بحيث لن تتوفر اي طاقة في اي نقطة في الكون لاستمرار التفاعلات الكيميائية الضرورية للحياة، وعندها سوف تهبط درجة حرارة الكون الى اقصى درجة ممكنة وهي 273 تحت الصفر وسيتجمد كل الكون .
الفرضية ثانية تقول ان الكون سيبلغ حالة قصوى من التمدد والتضخم وعندها سيتمزق كل شئ:المجرات، النجوم، الكواكب والذرات .
ما هو احتمال حدوث الكون والحياة صدفة؟
قام الكثير من الباحثين بإجراء الأبحاث لحساب احتمال حدوث الكون او الحياة صدفةً وفي كل مرة كان الإحتمال صفراً صارخاً !
1- تشترط علوم الفيزياء، الكيمياء والاحياء توافق حدوث 200 شرطاً لكي تتوفر ظروف حياه على الارض او اي كوكب آخر، سأذكر منها القدر اليسير: وجود نجم مناسب ( كالشمس) بالبعد المناسب ، وجود كوكب بالحجم والبعد المطلوبين ( المشتري) وذلك لأن المشتري يقوم بجذب آلاف النيازك والشهب اليه مانعاً اياها من الوصول الى الارض ، وجود القمر ليمارس قدراً مضبوطاً من الجاذبية على الارض لضبط محور دورانها حول نفسها حتى لا تتأرجح وتتعاقب فصول السنة بشكلٍ منتظم ،قد يقول قائل ان كتل الكواكب ومواقعها في الفضاء انما تقررت بحسب قوة الجاذبية، لكن مقدار قوة الجاذبيةه بحد ذاته يثير الدهشه ذلك لانه بحسب المعادلات الرياضية لو حصل تغيير أقل من الطفيف بقدر واحد من مليار المليار بتوزيع القوى الكونية الأربع لم تكن لتتشكل النجوم ولا المجرات!.
نحن ايضاً بحاجه الى :غلاف جوي بخليط دقيق من الغازات ، قشرة ارضية بخصائص معينه لاعادة تدوير الكربون في الطبيعة، عنصر الكربون بخصائصه الكيميائية الخاصة، الماء وميزاته الكيميائية التي جعلته أن يكون : ذو أربطة هيدروجينية، مذيباً لشتى المواد الكيميائية، موصلاً للكهرباء ،مخترقاً لاغشية الخلايا، ويلزمنا ويلزمنا ….
إن عدد التوافقيات الممكنة لالتقاء 200 شرطاً(!200) هو رقم خيالي أكبر من واحد و 500 صفر عن يمينه ! إحتمال أن تتوافق كل الشروط المطلوبة صدفةً مساوٍ لحاصل قسمة واحد على الرقم الخيالي والناتج صفر بالتأكيد !
2- بنفس النمط تم حساب إحتمال تفاعل الذرات من اجل انتاج أجزاء خلية واحدة وذلك لفحص صحة افتراض نظرية التطور بأن الكائنات الحية انبثقت عن كائن احادي الخلية تكوّن نتيجةً لتفاعلات كيميائية، قام العلماء بحساب عدد التوافقيات المطلوبة فكانت النتيجه واحد و 40 صفراً عن اليمين ! بطبيعة الحال الاحتمال لتصادف الحدث مساوٍ للصفر ،ولو إفترضنا امكانية حدوث التفاعل كما يصِّر اصحاب نظرية التطور ولو ان التفاعل المفترض استغرق ثانيةً واحدةً لا اكثر ، فانه يجب ان يمر زمن مقداره واحد و40 صفراً عن يمينه من الثواني كي تنجح محاوله واحدة! ، لكن من جهة ثانية هذا الزمن اكبر بأضعاف من عمر الكون بالثواني ( 4 و17 صفراً عن اليمين ) طبقاً للحسابات الفيزيائية !.
تؤكد نظرية الانفجار العظيم والقوانين الفيزيائية على وجود بداية للكون ونهاية ويخبرنا علم الاحتمال بصورة قاطعة بإستحالة حدوث الكون صدفة، وإستحالة إنبثاق الحياة تلقائياً،كلما مرَّ الوقت وتطورت النظريات العلميه كلما أشار العلم بشكل صارخ الى وجود خالق للكون بث فيه الطاقة ،المادة، والحياة.
ما فتأت النصوص القرآنية مند نزولها تدعوا المؤمنين والملحدين على حدٍ سواءٍ أن يتفكروا ويبحثوا في علوم الكون، وان يسلكوا البحث العلمي طلباً للحقيقه ( أَوَلَم يَتَفَكَّروا فى أَنفُسِهِم ما خَلَقَ اللَّهُ السَّمٰوٰتِ وَالأَرضَ وَما بَينَهُما إِلّا بِالحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثيرًا مِنَ النّاسِ بِلِقائِ رَبِّهِم لَكٰفِرونَ) ، والخالق ازليٌ موجودٌ ماقبل البدايه وأبديٌ باقٍ مابعد النهاية (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ) وحتماً لا يمكن ان يكون الخالق من جنس المخلوق لأن صفة الكون التفكك والفناء ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) ، ولا يمكن ان يكون له شريكٌ في الألوهيه وإلا لإستحال سريان نفس القوانين الفيزيائيه في كل انحاء الكون (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد ) ما نعاينه حولنا من ترتيبٍ وتركيبٍ في الكون ومخلوقاته يدل على حكمةٍ مقصودة وليس عبث الصدف الغير معقولة.
(أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ) !