ابني يشاغب كثيرا في البيت واكثر في المدرسة لاني لا اكون موجودة معه. احيانا اعاقبه واحرمه من اشياء يحبها ولكن دون فائدة. توجهت به الى المختصين ولكن دون جدوى.. ماذا افعل؟
ما هو العناد؟
يعتبر العناد من النزاعات العدوانية والتمرد ضد احد الوالدين او كلاهما وهو محصلة للتصادم بين رغبات الطفل وطموحاته وبين اوامر الكبار ونواهيهم.
يظهر العناد لدى الطفل على شكل رفض لما يؤمر به او اصرار على تصرف ما وعدم التراجع به حتى في حالة الاكراه، وقد يحدث العناد لمدة وجيزه وعابره او انه يصبح نمطا متواصلا وسلوكا ثابتا لدى الطفل.
العناد في مرحلة الطفولة المبكرة:
يعتبر العلماء أن العناد لدى الطفل هو أحد مؤشرات الذكاء، وغالبا ما يشكل العامل الوراثي نسبة كبيرة منه، وبالتالى فالطفل يكون لديه استعداد مسبق لاكتساب هذه العادة ونحن نكملها. في سنوات عمره الأولى يكون لديه إحساس بأن الكون كله يدور حوله ومسخر لخدمته وهو امر طبيعى عند جميع الأطفال فى مثل هذا السن، خاصة عندما يتمكن الطفل من المشي او الكلام ويرغب فى الاعتماد على الذات والشعور بالاستقلاليه، وخلو هذه المرحلة من العناد قد يؤدى إلى ضعف الإرادة فى المراحل التالية من عمره.
بعد سن الثامنة، قد يتحول العناد إلى عنف، وينقلب إلى تحدٍ شديد عند الطفل، فيجادل الكبار ويتحداهم، ويفقد هدوءه بسرعة، ويتعمد استفزاز الآخرين، واذا كان شديد العناد مقارنة بالأطفال الآخرين فى نفس السن، قد يكون هذا مؤشراً لظهور اضطراب سلوكي لديه.
العناد في جيل المراهقة:
قد يستمر العناد حتى سن المراهقة وقد يظهر ويختفي في ظروف ومواقف معينة، اما ان يظهر في البيت ويختفي في المدرسة او بالعكس او يظهر في كلاهما. وهو يأتي كتعبير لمرحلة بناء الهويه الذاتيه و”الانفصال عن الوالدين” والرغبة في الاستقلالية. ولكن عندما يصبح العناد نمطاً ثابتاً فى سلوك المراهق، قد يؤدى إلى اضطراب في أفكاره ومشاعره وسلوكياته، وهنا قد يحتاج الوضع الى استشارة من المختصين.
ماذا يكسب الطفل او المراهق من السلوك العنيد؟
بالطبع لكل طفل رغباته، ولا احد يتوقع ان يفعل الاطفال ما نطلبه منهم طيلة الوقت. ومع ذلك العناد الزائد عند الطفل يجعل من العناية به مهمة صعبة ويثير مشاعر سلبية لدى المحيطين به، ويضر بعملية التعلم لديه واكتسابه مهارات جديدة. فالعناد لا يضر الوالدين فقط وانما يضر الطفل نفسه اساسا، لان الاستجابه للوالدين ولشخصيات اخرى مهمه في حياة الطفل (مثل المعلم) هي اساسيه ومهمة، بدونها يصعب على الطفل ان يقوم بدوره كشخص بالغ مستقبلا.
من المهم ان نعلم ان الحاجة للاهتمام والانتباه هي حاجة اساسية لدى الطفل. في الوقت الذي يعمل به كلا الوالدين، يكون من الصعب ايجاد وقت كافي للابناء خلال اليوم,، ولذا فانهم سيحاولون الحصول على هذه الحاجة بطرق مختلفة، حتى لو حصلوا عليها عن طريق الصراخ او التانيب. فالعـناد هـو الأسـلوب الأمـثل الذي ينـتهجـه الطفـل لتحـقيق مـزيـدا من رغـباتـه وحاجاته وفي داخله يقـول سـتـنفـذون ما أطـلبه منكم والاّ ساستمر في عـنادي. فاذا رضخ الـوالـدين لطـلباته، سـيـتّخـذ هـذه العـادة قـانونا عـاما لحـلّ أزمـاته مستـقبلا والحصول على ما يريد.
قد يتسائل الوالدين كيف يمكن ان يحصلوا على تعاون الولد العنيد دون الحاجه للغضب والصراخ؟
اولا على الاهل معرفة سبب العناد وماذا يريد الطفل ان يحقق بذلك؟
هل هو رغبة في تأكيد ذاته، ام بسبب الحماية الزائدة والتدخل المستمر بشؤونه ام بسبب الافراط في الدلال وتلبية رغباته والخضوع لها، ام انه رد فعل لشعوره بالعجز والاحباط، ام بسبب عدم اصغاء الوالدين له وعدم شرح اسباب اوامرهم له، ام التذبذب بالمعامله بين اللين والقسوة، ام شعور بالغيرة وتفضيل الوالدين لاحد الابناء وعدم اهتمامهما به، او تهديدهما المستمر له او ضربه او معاقبته، ام هو بسبب عدم وجود بيئة امنة في البيت بسبب شجار الوالدين المستمر؟
جميع هذه الاسباب بامكانها ان تفسر سلوك الطفل العنيد، الذي يهدف الى التعبير عن نقص في حاجة او احتياجات معينة واساسية لدية.
اذا، عزيزتي الام، اولا عليك ان تتساءلي ما هي الحاجة من وراء عناد طفلك وما الذي ينقصه ويريد ان يحصل عليه؟
اذا كان الوالدان منشغلان عن الطفل بامورهما الخاصة وغير قادران على تزويد الطفل بالحنان والاهتمام والعاطفة التي يحتاجها، قد يكون العناد هو احد اشكال العدوانية التي يستعملها ضد الوالدين بسبب عدم اهتمامهما الكافي به، او محاوله لتوصيل رسالة مفادها ان الطفل يشعر بالاهانة او الاهمال. وقد يكون مفادها عنادا لاحد الابوين انتقاما للاخر، كأن يرى سلوكا عدوانيا من احدهما تجاه الاخر باستمرار فيعاند الطرف العدواني. او تكون رسالته عبارة عن تعـبير عن عدم ارتياحه لأسـلوب الـوالدين بالتعامل معه، أو قد تكـون صـرخة استغـاثة وتنـبيه لخـطر يـراه الطـفل ويتعرض له في محيطه العائلي او المدرسي، او قد تكون رسالته تعبيرا عن محـاولة يـائـسة منه لاثـبات وجـوده وتحـقيق ذاته من خـلال هـذه الـوسـيلة.
ولكن،هـل يجب تلبية رغـبات الطفل في هذه الحالات ؟!
الاجابة هي لا، بل ان الاستجابة لعناده قد تزيد من حدة سلوكه المعاند بمجرد انه نجح في الحصول على مبتغاه بهذا الاسلوب. بدلا من ذلك عليكم تجاهل السلوك المعاند والتقليل من التعليق على سلوكياته السلبية، والتغاضي عن بعض اخطاءه اذا كانت بسيطة، وعدم الانجرار وراء عناده بالرد بطريقة غاضبة وعصبية.
بعد معرفة الدافع من وراء عناد الطفل او المراهق، يمكنكم الرد على سلوكه بالطريقهة الملائمة. فمثلا اذا كان الدافع هو لفت انتباهكم، سيكون الرد المناسب هو تجاهل هذا السلوك المعاند، لان اي محاولة لاقناعه وحثه على الطاعه واعادة الطلب مرارا وتكرارا، سوف يزيد من حدة سلوكه المعاند مستقبلا وسوف يتعلم انه بطريقة العناد والرفض يمكنه الحصول على انتباهكم واهتمامكم ليشبع تلك الحاجة الملحة. بدلا من ذلك عليكم تعليمه طريقة اخرى ايجابية للحصول على انتباهكم وتقديم البديل لهذا السلوك الذي يمنحه اهتمامكم.
كثرة الانتقاد واللوم- امور يجب تجنبها:
من المتوقع ان الطفل العنيد يتعرض لكثير من الاحيان الى انتقادات سلبية وملاحظات جارحه وكذلك الغضب والتانيب بسبب عناده. وعليه سيكون رد فعله المتوقع هو زيادة جرعة العناد، مما يزيد من غضب الاهل وهكذا دواليك حتى تتكون صورة سلبيه لطفل عنيد واهل غاضبون طيلة الوقت. لذا، عليكم استبدال ملاحظاتكم السلبيه وعبارات النقد والتانيب كرد فعل للسلوك المعاند بالانتباه والتركيز على تعزيز السلوك الايجابي. اي عندما يختار الطفل ان يتصرف بشكل جيد وغير معاند، عليكم عدم تجاهل ذلك باعتباره سلوكا عاديا ومفهوما ضمنا, بل يفيدكم جدا توجيه كلمات المديح والاطراء لهذا لسلوك الجيد بهدف تعزيزه وتكراره من قبل الطفل. مثلا اذا كان الطفل يرفض طلباتكم بشكل فوري ويومي، وحدث في احدى المرات انه اطاعكم، عليكم عدم تجاهل ذلك بل مدحه وابداء رضاكم عن سلوكه كلاميا وعاطفيا، ومن المهم ان يكون ذلك مباشرة بعد قيامه بالسلوك الجيد كي يكون تاثيره الايجابي قويا وفعالا. لذا، لا تترددوا باحتضان طفلكم والحديث معه عن شعوركم بالسرور تجاه سلوكه.
ماذا اذا كان ابنكم يعاني من فرط النشاط؟
اذا كان الطفل يعاني من مشاكل في التركيز وفرط النشاط، فمن المحتمل انه يتعرض بشكل خاص، للانتقادات السلبية وعبارات التانيب اكثر من غيره من الاطفال. واذا علمنا ان احدى مميزات هؤلاء الاولاد الحساسية الزائدة والصعوبة بادارة مشاعرهم، فان ردود فعلهم تكون مبالغة وقوية تجاه المثيرات المختلفة، فنراهم يتلهفون وينفعلون بسرعة من كل كلمة اطراء ومديح، بينما نظره مؤنبة او ملاحظة سلبية بشانها ان تصيبهم بالياس والاحباط بنفس السرعة ويكون تاثيرها عليهم قويا وهداما.
وماذا عن المدرسه؟
من الجيد اجراء حوار مع المدرسه وبناء “اتفاقيه” بين المدرسه وبين الوالدين والمحافظه على التعاون بالنسبة لاسلوب التعامل مع الابن العنيد. من المفيد بناء خطة عمل مدرسيه لتعديل سلوكه وتخفيف عناده من خلال استعمال المحفزات والتعزيزات الايجابيه ومدحه عند قيامه بتصرف جيد تجاه معلميه في المدرسه وكذلك عندما يمر يوم دون ان يظهر سلوكا معاندا. اي مدحه على اظهاره قدرة على الانضباط والسلوك الجيد خلال ذلك اليوم, ومحاولة تجاهل بعض السلوكيات السلبيه البسيطه والتي يمكن تحملها. ومن المفيد جدا ايضا ان يقوم المعلم او المربي بارسال رساله او مكالمه تلفونيه للاهل يمدح بها الابن لسلوكه الجيد خلال اليوم او الايام الاخيره, مما يمنحه شعور بالاهميه والاهتمام به كرد فعل للسلوك الايجابي وليس عند العناد فقط.
نصائح عامه:
بشكل عام، غالبا ما تكون اسباب لفت الانتباه تعبر عن نقص في الاحتياجات الاساسيه للطفل سواء للعب او الحب والحنان او التقدير او غيرها. لذا من المفضل الاكثار من اظهار المحبه والحنان, ومواجهة الخلافات والنزاعات معه بالمزيد من الاحتواء والصبر والمودة واللين لان الانجرار للرد عليه بنفس حالته الانفعاليه العصبيه سيزيده عنادا, وبدلا من ذلك عليكم الانتظار حتى يهدأ ويصبح جاهزا للحديث معه, وفي نفس الوقت من المهم ان تحافظوا على ان تكونوا حازمين بتوجهكم اليه وان تحافظوا على نصب حدود واضحه ومفهومه للابن.
من المفضل ان تقوموا بتكليف الابن ببعض الأعمال والمهمات المنزلية او غيرها مما يساعده على تحمل المسئولية وتوجيه اهتماماته لما هو نافع ومفيد لبناء شخصيته.
واخيرا، من اكثر الامور اهميه في تربية الابناء هو الاتفاق والتنسيق بين الوالدين فى اساليب التربية على ان يكون هناك اتفاق بينهما على الأقوال والأفعال واحترام كل منهما “كلمة” الاخر امام الابناء. لا بد ان تنشب احيانا خلافات بين الوالدين بسبب عدم قدرتهما على التعامل مع سلوك الابناء, ولكن علينا ان نتذكر ان مناقشة هذه الخلافات وغيرها بين الوالدين امام الابناء والتعامل معهم باسلوبين مختلفين، يؤثر سلبا على سلوكهم ويؤدي الى اضرار نفسيه بعيدة المدى وانحرافات سلوكية عند جيل المراهقة والبلوغ. والعكس صحيح، فان وجود عـلاقة سـليمة ومتوافقة بين الـوالـدين يؤدي الى بناء جو عائلي امن وصحي والذي ينعكس ايجابا على الحاله النفسيه للابناء وادائهم المدرسي.
ولا ننسى تعليم وتربية ابنائنا على قيم وتعاليم ديننا الاسلامي ومعنى الطاعة وبر الوالدين من خلال قصص الانبياء عليهم الصلاة والسلام ومكانتها عند الله عز وجل.