ليست الانتفاضة الحالية التي يخوضها الشعب الفلسطيني أول تجربة له في مقاومة الاحتلال فمنذ عهد الاحتلال ألبريطاني لفلسطين حتى يومنا هذا خاض شعبنا عشرات الهبات والثورات في بسيل الحرية والتحرير.
ولكن للانتفاضة الحالية الكثير مما يميزها عن سابقتها من انتفاضات وثورات.
فلقد ولدت يتيمة من عدم ومن الخنوع وتخبط القيادة الفلسطينية الرسمية وعجزها عن تقديم أي شيء وولدت من رحم الاحباط العربي الذي تجتاحه الفتن والاقتتال الداخلي إلا متناهي .
ولدت ولا أحد يريدها لا قيادة السلطة الفلسطينية ولا قيادات الفصائل.
وبغض النظر عن التفاوت في التصريحات والخطاب الاعلامي ألا ان هذه حقيقة الامر.
فأما بخصوص السلطة التي تربط وجودها بدورها ألامني قبالة ألاحتلال هذه ألانتفاضة تهدد جوهر وجودها وقد تحولها إلى غير ذي صله ولا حاجة لها , وبخصوص الفصائل فأن هذه الانتفاضة تحرجها وتضعها امام استحقاقات نضالية قد يعيدها الى واجهة الاعتقالات والملاحقة والتصفيات الجسدية، هي لا تريدها في الوقت الحاضر.فغالبية الفصائل تفضل استمرار الحياة على وتيرتها واستمرار تدفق المخصصات الشهرية والمحاصصة على الكلمات في المهرجانات وفقط وقف مخصصات الشعبية والديمقراطية ما يمكن ان يستفزها للخروج الى الشارع.
أما النظام العربي الرسمي وتحديد محور الانبطاح فأنه يشخص الانتفاضة كخطر استراتيجي يجب القضاء عليه بأسرع وقت ممكن فهي خطر محدق على كل مخططات الفوضى الخلاقة التي يضطلع بها والتي نعيش تفاصيلها الدموية هذه الايام ففلسطين هي لوحيدة الي يمكن أن تعيد تجميع العالم العربي على قضية بعد أن تفرق واقتتلوا على كل مذهب وطائفة وجماعة وعشيرة ومشيخة وعلى كل شيء على لاشيء واستبدال الاعداء بالأصدقاء والأصدقاء بالأعداء وبات تحرير طهران هو الاولوية اما تحرير القدس فضربا من اساطير الاولين .
أما حركة حماس والتي تتخبط حاليا حول أي صورة لأي رئيس عربي ترفع في شوارع غزة في محاولتها للخروج من المأزق السياسي الذي ادخلتنا وأدخلت نفسها اليه حينما قبلت على نفسها دور البيدق في رقعة شطرنج حروب الطوائف فهي ما زالت تتخبط وتنشغل بكيفية ضمان تدفق المال القطري والسعودي والدعم العسكري الايراني السوري وتطبيع العلاقة مع مصر في الوقت نفسه الذي تناصر فيه النظام القطري على السعودي وحركة الاخوان على النظام في مصر وتناصر كل هؤلاء ضد المحور الايراني ألسوري كما أن حماس مع كل تاريخها النضالي العريق يعرف عنها أنها لن تشارك ولن تدخل معركة لا تكون حسب اجندتها ووفق برنامجها الفئوي الخاص ويكون لها فيها الصدارة والقيادة.
وفي الداخل الفلسطيني في المناطق المحتلة عام 48 وقيادته الرسمية فهي لا تبتعد عن خط أولياء هذه القيادات سواء كانت قطرية او تركية او السلطة الفلسطينية كما أنها لا تمتلك البنية النضالية أصلا فهي قيادات سياسية تحترف العمل السياسي وليس النضالي الفعلي ولا تملك أي جاهزية او استعداد لرفع سقفها الى المستوى الوطني في النضال فلذلك كانت او من عمل على اجهاض حالة التلاحم النضالي بين شقي الوطن في بدايات الانتفاضة.
أما محور المقاومة والممانعة والذي ما زال يعتبر فلسطين قضيته الاولى فعلى ما يبدو أن الاحداث في المنطقة لم تبقي فلسطين قضيته الاولى وربما تكون سوريا أو اليمن أو العراق أو حتى البحرين .
وصحيح أن اعلام محور الممانعة يتخذ موقف مساند للانتفاضة على عكس اعلام محور الانبطاح ألا انه يبقى اعلام ويبقى الدعاء بدون القطران تمنيات فقط
وأي مقارنة بين دور محور الممانعة في دعم الانتفاضة الثانية ودوره الان سنجد بكل صراحة أنه لا يقدم شيء بالمقارنة بين الانتفاضتين عدا عن الاعلام الناري وحتى الجهد الاعلامي تغيب الاحداث عنه احيانا فلسطين هذا المحور إذا خسر ساحة فلسطين فسيخسر في سوريا وفي العراق وفي البحرين وقد يخسر نفسه لأن لا وجود لمحور المقاومة والممانعة بدون فلسطين.
الاحتلال الصهيوني المعني الاول بالانتفاضة الحالية يستخدم كل الوسائل الشرسة في قمع الانتفاضة ليس فقط تعبيرا عن طبيعته الوحشية ولكن تعبيرا عن مدى خوفه من استمرارية الانتفاضة وتطورها وإمكانية ان توقف عجلة مخططاته التي يعتقد انها حتى بأفضل احلامه لم تكن لتتحقق كما تتحقق الان وتحديدا في الخمس سنوات الاخيرة فالدولة العربية تغرق في دمائها وجيوشها ام تتفكك او تغرق في حروب القبائل الا نهائية والكل يطلب ود اسرائيل سرا وعلانية وقد باتت اقرب من أي وقتا مضى بالانتقال بعلاقتها مع غالبية الدول العربية من حالة شبه السرية الى العلانية والتطبيع الكامل وافتتاح السفارات في تل ابيب وممكن القدس ايضا كل هذا تهدده الانتفاضة الحالية اذا كتب لها الحياة.
جاءت الانتفاضة الثالثة غريبة لا احد يريدها وهذه حقيقة اثبتتها الاحداث على الارض وقد تعود غريبة اذا بقي الوضع على ما هو عليه
لا أعرف الى متى سيستطيع شبابياها وشابتها الاستمرار في ظل المعطيات الحالية
لكن الذي لا شك فيه ان الذي يعول على استمرارها وحيده لا يختلف عمن يعمل فعليا لوأدها
لا ينتظر من النظام العربي الرسمي او القيادة الفلسطينية الرسمية أي شيء فهم معادون لكل مفاهيم ومضامين المقاومة
ولكن ينتظر من فصائل المقاومة ومحور الممانعة دفع ضريبة هذه التسمية
وألا تحولت كغيرها من انظمة الردة بالمحصلة العملية
لم تنتصر فيتنام بالخطابات بل بقطار الدعم اليومي من الصين والروس انذاك
لا ننتظر في فلسطين قطار الدعم اليومي
ولكن ننتظر ان تأخذ قوى نقشت على رايتها المقاومة والممانعة دورها
توقفوا عن مشاهدة اطفالنا على شاشة الفضائيات وهم يقتلون في مشاهد بطولية ومأساوية في آن ‘واحد
قوموا وخذوا دورهم في النضال فلقد اخذوا دور الكبار لفترة اطول مما ينبغي