أرى ان الترميمات التي خضعت لها قاعة المسرح البلدي منذ استلام الإدارة الجديدة لبلدية الطيبة ولغاية افتتاحها، كانت الجزء اليسير من مهمة إعادة النبض المسرحي ومنه الى الحياة الثقافية لمدينة الطيبة، إذ ان علينا الآن البحث عن ينابيع الابداع الضرورية لمد هذا المسرح بنتاج فني يبرر هذه الجهود ويروي الآمال الملقاة على خشبة المسرح.
من اين نمد المسرح البلدي بكادر المبدعين الذين سيقفون على خشبته ويقدمون لنا الاعمال المسرحية ومن اين سنمده بالمنتجين والمخرجين وكتاب السيناريوهات وصناع الديكورات الذين سيعملون خلف الكواليس على اعداد هذه الاعمال؟
أما العاملون خلف الكواليس من مصممي أزياء وديكورات وفنيي اضاءة وصوت فهم بطريقة او بأخرى أصحاب مهن متوفرة في الطيبة وإن لم تكن من المدينة ففي الوسط العربي من يتقنها الى حد الحرفية، بل ويمكن استجلاب أبناء المدينة الذين يمارسون هذه المهن خارج بلدنا ليساهموا بذلك في الطيبة، فهي أولى بهم ولو من باب المساعدة الأولية على زرع شجرة الحياة المسرحية في بلدهم.
ولكن يبقى كادر المبدعين الذين سيؤدون الأدوار على خشبة المسرح وكل ما يحيط بذلك من مختصين لإنجاز هذا العمل المسرحي سواء من ناحية الإخراج ام كتابة السيناريوهات او حتى انتقاء واعداد النصوص المسرحية او أولئك الذين سيقفون وجها لوجه امام المشاهد ليقنعوه بأنهم أصحاب مواهب حقة وبأنهم يغوصون في لب العمل المسرحي عن جدارة وإدراك وبأنهم يقدمون لمجتمعهم الظمآن ثقافة لطالما تاق اليها في الماضي والحاضر.
اعتقد ان خير رافد للمواهب الشابة التي ستشكل نواة العمل المسرحي ومن ثم ستتفرع منها كل مكونات هذا الفن الراقي هو تدشين موضوع “المسرح” لتعليم مجموعة من طلاب الفرع الادبي في المرحلة الثانوية. أي افتتاح تخصص “المسرح” كموضوع قائم بحد ذاته ضمن المنهاج التعليمي، بحيث يتقدم الطلاب في النهاية لامتحانات البجروت في هذا التخصص بخمس وحدات شأنه كشأن أي تخصص آخر قائم في منظومة التعليم الثانوي في الطيبة.
وهنا يأتي دور السلطة المحلية في العمل على تدشين اختصاص كهذا في المدرسة إذ ان من صلاحية البلدية بالتنسيق مع الجهات المعنية، ان تفتتح هذا التخصص في المرحلة الثانوية ليكون بمثابة مصدر إمداد للكوادر المتخصصة في كل مجالات العمل المسرحي والسينمائي ولو على مستوى التعليم المتوسط كمقدمة للتحصيل الجامعي أيضاً.
اعتقد ان تخريج من عشرين الى ثلاثين طالبا وطالبة سنويا من المرحلة الثانوية في الطيبة في مجال العمل المسرحي والسينمائي سيكون له الفضل الأول في امداد الحياة الثقافية ليس في الطيبة وحسب وانما في المجتمع العربي في البلاد برمته. وسيتحول هذا الفرع الى مطلب كل الطلاب العرب في البلاد الراغبين في تعلم هذا الموضوع وبهذا تتحول الطيبة الى قبلة هواة الفن وتكتسب مكانة مميزة تسبق غيرها الى تبوئها.
وارى ان على هذا التخصص أن يشمل كل الجوانب المتعلقة بالعمل المسرحي وليس التمثيل وحسب، أي ان يدرس الطالب الإخراج والإضاءة وفنون الصوت وكل ما يتعلق بفنون المسرح والسينما. كما أرى ان عدد الطلاب لن يكون كبيرا ولذا لن يجد الخريجون أدنى صعوبة في العثور على عمل لإعالة أنفسهم مستقبلا علاوة على ان هناك العديد من الطلاب الثانويين الذين لا يحققون أنفسهم في أي من الاختصاصات المطروحة امامهم وهم من حيث الروح والجوهر فنانون بالفطرة ويبحثون عمن يصقل مواهبهم.
لا ادعي انني مختص في مجال المسرح ولا في مجال تعليم هذا الموضوع ولكني استقيت هذه الأفكار من أناس قريبين من العمل المسرحي والمجالات المتاحة امام الراغبين في التحصيل العلمي الضروري لممارسة العمل المسرحي والسينمائي على اختلاف تخصصاته.
انني إذ احييّ الفنان عبد العظيم شاهين، الذي ستكن له الطيبة العرفان في استرداد خشبة المسرح البلدي لأهلها، فإنني أدعوه الى النبش في فتح فرع لتعليم فنون المسرح والسينما في ثانوية الطيبة بخمس وحدات “بجروت” تماما كما هو حال أي تخصص تعليمي آخر، وذلك بالتوازي مع بقية جهوده الرامية الآن الى انشاء فرقة مسرحية بأسرع وقت ممكن كي لا تخمد شعلة البهجة وقبل ان ينصرف الأهالي عن هذا الإنجاز وكأنه افتتاح قاعة ليس إلا!
إن افتتاح فرع تعليم فنون المسرح والسينما بكل تفرعاته وتشعباته المهنية سيعطي للطيبة مكانة خاصة في هذه الرقعة من حياتنا الثقافية، فلا المسرح الحيفاوي ولا المسرح العكي او المسرح اليافاوي او أي مسرح عربي في البلاد يتمتع بينبوع فني يمده بمختصين في مجالات العمل المسرحي والسينمائي، علاوة على ان المجتمع العربي مزدحم بهواة التحصيل التعليمي في هذه الاختصاصات ولذا فإن حشد مجموعة تتألف من عشرين الى ثلاثين طالبا سنويا، ليس بالمهمة الصعبة، ولكنها بالتأكيد تبقى من التحديات التي لا يجرؤ كل رئيس بلدية على خوضها باسم نهضة بلده… وآمل ان تكون بلدي قد اختارت من لا يخشون التحديات من اجل رفع مكانة بلدنا!