مائة عام على سايكس بيكو أو كيف تقام الدول بجرة قلم؟
تصادف هذه الأيام ذكرى مرور 100 عام على عقد معاهدة تقسيم منطقة الهلال الخصيب بين النفوذ الفرنسي والبريطاني.
كانت معاهدة سايكس بيكو التي ابرمت عام 1916، عبارة عن تفاهم سري بين فرنسا والمملكة المتحدة بمصادقة من الإمبراطورية الروسية على اقتسام منطقة المشرق العربي، المتمثل في منطقة “الهلال الخصيب” بين فرنسا وبريطانيا لتحديد مناطق النفوذ في غرب آسيا بعد وهن وانهيار الدولة العثمانية في الحرب العالمية الاولى، التي كانت تسيطر على هذه المناطق منذ مئات السنين أي إبان تمدد رقعة الفتوحات الإسلامية في فجر الاسلام.
وقد تم التوصل إلى هذه المعاهدة بعد مفاوضات دارت في الفترة بين نوفمبر/تشرين الثاني من عام 1915 ومايو/ايار من عام 1916 بشكل سري بين الدبلوماسي الفرنسي فرانسوا جورج بيكو والبريطاني مارك سايكس، وكانت على صورة تبادل وثائق تفاهم بين وزارات خارجية فرنسا وبريطانيا وروسيا القيصرية آنذاك. وتم الانتهاء من بلورة المعاهدة يوم 16.05.1916 أي في مثل هذا اليوم قبل مائة عام.
وتم بموجب المعاهدة تقسيم منطقة الهلال الخصيب، فحصلت فرنسا على الجزء الأكبر من الجناح الغربي من الهلال ويشمل سوريا ولبنان ومنطقة الموصل في العراق.
أما بريطانيا فامتدت مناطق سيطرتها من طرف بلاد الشام الجنوبي متوسعا بالاتجاه شرقا لتضم بغداد والبصرة وجميع المناطق الواقعة بين الخليج العربي والمنطقة الفرنسية في سوريا.
كما تقرر أن تقع فلسطين تحت إدارة دولية يتم الاتفاق عليها بالتشاور بين بريطانيا وفرنسا وروسيا. ولكن الاتفاق نص على منح بريطانيا مينائي حيفا وعكا على أن يكون لفرنسا حرية استخدام ميناء حيفا، ومنحت فرنسا لبريطانيا بالمقابل استخدام ميناء الاسكندرونة الذي كان سيقع في حوزتها.
وظلت معاهدة سايكس-بيكو سراً لا يدري به العرب، إلى أن نشرتها الحكومة السوفياتية في روسيا بعد الثورة الشيوعية سنة 1917. وعندها سارعت بريطانيا إلى طمأنة العرب إلى أن المعاهدة ألغيت بعد انسحاب روسيا من الحرب وانضمام العرب إلى جانب الحلفاء.
أما زعماء الحركة الصهيونية فقد احتجوا على المعاهدة لدى الحكومة البريطانية، على أساس أن تدويل ارض فلسطين يتنافى وفكرة الوطن القومي اليهودي، فأكدت بريطانيا لهم ان التدويل هو مجرد خطوة مرحلية تكتيكية أملاها موقف فرنسا وروسيا، اللتين كانت لهما مطامع عديدة أيضا في ارض فلسطين، وأنها أي بريطانيا ستعمل لإلغائه، الأمر الذي أكده فعلا صدور تصريح بلفور بعد ذلك مباشرة.
لاحقاً، وتخفيفاً للإحراج الذي أصيب به الفرنسيون والبريطانيون بعد كشف هذه الاتفاقية ووعد بلفور، صدر كتاب تشرشل الأبيض سنة 1922 ليوضح بلهجة مخففة أغراض السيطرة البريطانية على فلسطين.
إلا أن محتوى معاهدة سايكس-بيكو تم التأكيد عليه مجدداً في مؤتمر سان ريمو عام 1920. بعدها، أقر مجلس عصبة الأمم وثائق الانتداب على المناطق المعنية في 24 حزيران/يونيو 1922 لإرضاء أتاتورك واستكمالاً لمخطط تقسيم وإضعاف سوريا.
وعقدت في 1923 اتفاقية جديدة عرفت باسم معاهدة “لوزان” لتعديل الحدود التي أقرت في معاهدة “سيفر”. وتم بموجب معاهدة “لوزان” التنازل عن الأقاليم السورية الشمالية لتركيا الأتاتوركية إضافة إلى بعض المناطق التي كانت قد أعطيت لليونان في المعاهدة السابقة.
وقسمت هذه الاتفاقية وما تبعها سوريا الكبرى أو المشرق العربي إلى دول وكيانات سياسية كرست الحدود المرسومة بموجب هذه الاتفاقية والاتفاقيات الناجمة عنها: اعلان استقلال العراق عام 1932.
منطقة الانتداب الفرنسي على سوريا: اعلان استقلال سوريا فعلياً عام 1946، اعلان استقلال لبنان ككيان بحد ذاته عام 1943. وضمت الأقاليم السورية الشمالية لدولة تركيا.
منطقة الانتداب البريطاني على ارض فلسطين: اعلان استقلال الأردن ككيان مستقل عام 1946 (كان الاردن منطقة حكم ذاتي منذ 1922).
فلسطين، انتهى مفعول صك انتداب عصبة الأمم على ارض فلسطين يوم 14 مايو/أيار 1948 وجلى البريطانيون عنها. وفي اليوم التالي أعلن قيام دولة إسرائيل وفق قرار الأمم المتحدة لتقسيم ارض فلسطين الى دولتين، الأولى يهودية والثانية عربية.
ومع الاعلان عن قيام دولة اسرائيل، اندلعت أولى حروب الصراع العربي الإسرائيلي في عام 1948 والتي لا تزال آثارها قائمة الى اليوم وتتمثل بقضية اللاجئين وغيرها. وعلى إثر حرب 1948 تم تقسيم ارض فلسطين إلى ثلاث وحدات سياسية: إسرائيل والضفة الغربية وقطاع غزة. وفي نهاية تلك الحرب وقع الملك الاردني عبد الله مع اسرائيل اتفاقية سلم بموجبها منطقة المثلث لإسرائيل مقابل ان يحصل الاردن على منفذ على البحر الاحمر حيث مدينة العقبة الآن.
وبات خط وقف اطلاق النار بين اسرائيل والدول العربية الذي يفصل الضفة الغربية عن اسرائيل يعرف لاحقا بتسمية الخط الاخضر.
الكاتب: ناضل حسنين – محرر مسؤول في i24News بالعربية