تعتبر مراسم احياء ذكرى النكبة التي نقيمها كل عام من مسارات الى القرى المهجرة فعاليات محدودة المشاركة وتقتصر على من لديه الامكانية والوقت للانخراط في هذا النشاط ويكرس يومه بالكامل له. ولكن ماذا بشأن من ليست لديهم إمكانية المشاركة، وهم الغالبية الساحقة من أبناء شعبنا الفلسطيني في الداخل.
كيف لمن لا يشاركون في المسيرة التقليدية في هذا اليوم ان يشاركوا في احياء ذكرى النكبة الغائرة عميقا في نفوس كل الفلسطينيين؟ كيف يمكنهم استذكار ما حل بأبناء شعبنا في هذا اليوم الذي تحول الى يوم مفصلي في تاريخ الشعب الفلسطيني والشعوب العربية والاسلامية عامة؟ أرى ان خير وسيلة لنكون مع من غابوا عنا، سواء الى الابد ام الى حين، هي الوقوف دقيقة حداد لأجلهم نستعيد في اذهاننا خلالها جزءاً من صورة المأساة التي لا يزال يعاني تداعياتها الجزء الأكبر من أبناء شعبنا الفلسطيني في مخيمات اللجوء في الشتات.
ومن المثير للتساؤل ان جهات عربية محلية مسؤولة، لا تبادر الى الدعوة لمثل هذه اللفتة الوطنية التي يستطيع تأديتها كل عربي فلسطيني في البلاد. فلا لجنة المتابعة ولا اللجنة القطرية تنبهت الى دعوة كهذه تدفع الفرد منا الى الشعور بالانتماء الى شعبه المنكوب منذ عشرات السنين والعيش ولو للحظات مع ضحاياه الاحياء منهم والاموات.
الوقوف دقيقة حداد على أرواح ضحايانا، ليس بالمشروع المكلف ولا بالفعالية التي تحتاج الى اعداد وتنظيم وحشد طاقات بشرية. كل ما هو مطلوب إطلاق دعوة رسمية تصدر عن اعلى ممثلية للمواطنين العرب في البلاد، تدعوهم الى احترام ذكرى ضحايا شعبنا وتكريس 60 ثانية من الوقت لذكراهم لا أكثر. 60 ثانية نوحد خلالها كلنا فكرنا واذهاننا حول محور واحد ووحيد، مأساة شعب يقتات على امل العودة. دقيقة نحمل خلالها هموم أولئك الذين لا يزالون يحتفظون بمفاتيح بيت غادروه في حيفا ويافا واللد والرملة وبقية القرى والبلدات. دقيقة نحاول ولو ذهنيا ان نحتضن اثنائها أولئك الذين اعتقدوا انهم عائدون بعد يوم او بعض يوم، عائدون للنوم من جديد على مسبطة البيت والشرب من حنفية البيت والاسترخاء في ظل شجرة ساحة البيت.
لو نظرنا الى شعوب العالم قاطبة، فلا بد ان نجد ان تاريخ كل منها يتضمن يوما بهيا محاطا بهالة من القداسة، لذكرى ضحايا هذا الشعب ممن استشهدوا وهم يدافعون عن قضاياه وعن وطنه. فأبناء هذه الشعوب يكنون الوفاء على الدوام لمن ماتوا ليحيا الآخرون، وأقل ما يمكنهم القيام به عرفانا لأبطالهم الغائبين عن الحياة هو التوحد معهم لدقيقة من الزمن ليتجمد الفكر خلالها عندهم، بل يغوص في حيثيات مأثرتهم وتفانيهم. انه العرفان الذي يدين به الباقي للاجئ، انه العرفان الذي يقر به الحي للميت!
لقد دأبت على مدار ثلاث سنوات على تنظيم وقفة حداد في الثانية عشرة من ظهيرة يوم احياء ذكرى النكبة. وكنت أقوم بذلك عبر دعوات اوجهها للأصدقاء والمعارف على شبكات التواصل الاجتماعي، ولست أدري كم منهم كان يؤدي ذلك الواجب حقا، ولكني كنت أجد التجاوب والحماسة لدى الجميع.
من هنا اعتقد ان فكرة كهذه لا بد ان تتخذ شكلا أوسع وصبغة رسمية كي تصل الى كل فلسطيني في هذه البلاد، حتى يعرف انه في التوقيت المشار اليه بالتحديد سيكون هو وعشرات الآلاف معه متحدين في هذه اللحظة يقفون من اجل أبناء هذا الشعب الشقي.