حيثما تدير عينيك في مراكز التسوق في البلدات المجاورة للطيبة، فإنك ترى وجوها تعرفها، طيباويون هائمون على وجوههم مسرعين يبحثون عما تبقى من ملابس للعيد ارضاءً لهذا الصغير العنيد او لتلك الصغيرة المتأففة.
أم تلوح بيدها مسرعة بمفاتيح السيارة وتمسك باليد الاخرى ابنها وهي مسرعة تتنقل من متجر الى آخر في المركز التجاري، تصادف ذات الامهات في كل محل تدخله فلم تعد تبادلهن التحية بعد المرة الثانية. تبحث عن قميص ملعون بمواصفات خاصة هو حلم ابنها الكبير هذه الايام، ولن يشعر بالعيد إلا اذا تمكن من العثور عليه وشراءه.
وهذه ام أخرى تجرجر مجموعة من الصبيان، تبحث عما يرضيهم من ملابس وهي تضم محفظتها الى صدرها بكل حرص لئلا تضيعها وفيها الراتب الشهري لرب الأسرة. تنهر هذا الغاضب بأن يسرع في مشيته وتدعو برقة ذاك الهادئ في خطاه. هذا غاضب بعد ان نال شقيقه ما اراد بينما هو لا يزال يبحث، وذاك تتلألأ في عينيه دمعة المقهور بعد ان اشترت له امه قميصا ارخص من ذا الذي اراد وثالث تأبط عدة اكياس والفرحة في عينيه بعد ان اشترى حذاءً رياضيا اجمل من حذاء ابن صفه.
مراكز التسوق تعج بأهالي الطيبة ولا سيما بالأمهات اللواتي لم يعدن بحاجة الى مرافقة الاب لإنجاز مهمة التسوق وشراء ملابس العيد للصغار والكبار على حد سواء. يركب الجميع سيارة العائلة وتقودهم الام الى اقرب بلد في محيط الطيبة فيحط الجمع رحاله في مركز التسوق هناك وتبدأ عملية “تحطيم” المال الذي اعد مسبقا لهذه المهمة. إما اذا تبقى من النقود شيء فيهنأ الجميع بتناول البيتسا في ذات المجمع او أي مأكل تفوح به نكهة المكان.
هذا هو المشهد في نتانيا او في كفار سابا، في طولكرم او في نابلس او حتى في قلقيلية. وأما تجار الطيبة فلا زالوا يترقبون موجة التسوق ما قبل العيد.
إن سألت احدى الامهات او سألتني، لماذا نتسوق من خارج بلدنا والطيبة مليئة بالمحالات الراقية للملابس والاحذية من كل الشركات المعتبرة والمعروفة، تجد ان الاجابة واحدة لدى الجميع ولدي ايضاً، الاسعار هي التي تنفر وهي التي تجذب المتسوقين بغض النظر عن المحل التجاري. جيب المواطن اهم عنده من التضامن مع التاجر ابن بلده.
كم من الوقت نحتاج حتى يقتنع بعض تجار بلدنا ان رفع الاسعار في موسم الاعياد يعني استغلال المواطن الطيباوي، فيكون رد فعل اهل البلد بالتوجه الى اقرب المحلات البديلة مراكز التسوق في البلدات المجاورة. هناك تجد الام ذات القميص وسعره 100 شيكل بعدما شاهدته في رفوف محل طيباوي وسعره 250 شيكل. هنا تنهار الثقة وتقيس هذه الام كل الاسعار وفق هذه المعادلة فتنفر من بلدها وترتاح في البلد المجاور، لأنها ترفض التسوق في محل يستغفل زبائنه من ابناء بلده.
لو اجرينا مقارنة على أسعار السلع والحاجيات في الطيبة مع تلك التي تباع في البلدات المجاورة وخاصة في الوسط اليهودي نرى ان اسعار الطيبة تكاد تكون اغلى على الدوام. وهنا نتساءل لماذا يتعامل اصحاب المحلات التجارية في بلدنا معنا بهذه القسوة ؟ ولماذا اسعار بضائعهم اغلى من تلك في نتانيا او في كفار سابا؟ هل تاجرنا يدفع الايجار الأعلى لمحله؟ أم انه يدفع “الارنونا” الاغلى؟ ام ان زبائنه (نحن) من ذوي الدخل المرتفع كي يطمع فيهم؟
وبالرغم من ان هذه المعادلة لا تنسحب على كل اهالي الطيبة ولا على كل تجار الطيبة، ولكن يبقى من المؤلم جدا أن تلتقي اناسا في البلدات المجاورة لبلدنا، وقد ملأوا سياراتهم ببضائع متوفرة بجوار بيتهم هنا إلا ان الاسعار تنفرهم وليس سواها.
ليت التجار في بلدنا لا يتغاضون عن معادلة الربح البسيطة التي يعرفها الجميع: البيع الكثير مع الربح القليل في السلعة الواحدة يدر عليك ربحا اوفر من السعر المرتفع مع قلة البيع، انها مسألة التراكم. لأن البيع القليل وبأسعار مرتفعة نهج الكسالى من التجار الساعين للثراء على حساب سلخ جلد ابناء بلدهم. وطالما بقي بعض تجارنا على هذا الحال، سيبقى خير هذا البلد لغيرها من البلدان.
كل عام وانتم بخير