الطيبة مدينة متعددة التوجهات السياسية والاجتماعية والدينية، وهي قادرة على احتضان كل ابنائها رغم هذا التباين القائم بينهم. ولعل ابرز ميزات هذا البلد انه تعايش منذ عشرات السنين مع كل الافكار السياسية والدينية وفيه وجد كل لنفسه مكانا لأن بلدنا يتسع لأبنائه جميعا وسيبقى كذلك.
دعوني أكون حاد التعبير هنا وأقول إن من يرى بسوق “طيبة ماركت” في محيط ”العمري“، تجمهرا يتنافى ومعاييره الاخلاقية بوسعه ان يمنع ذويه عن الذهاب الى هناك وبهذا يكون قد ارضى مفاهيمه. أما ان يحاول فرض هذه المفاهيم على من لا يتفق معها، فهذا امر مرفوض ويندرج في خانة التحريض وهو خطير.
من يرفض تواجد الشباب والفتيات في السوق خشية الاختلاط، عليه ان يسأل نفسه إن كان يمنع اهل بيته من التوجه الى “الكنيون” في كفار سابا أو رعنانا، حيث الاختلاط، او هل يمنع اهل بيته من التجوال ايام السبت في سوق الطيرة حيث الاختلاط او هل يمنع ابناءه وبناته من التوجه حتى الى المدرسة حيث يجتمع الطلاب والطالبات في الصف الواحد لسنوات عديدة.
الاختلاط بحد ذاته ليس جريمة، انما الجريمة كامنة في ادمغة من يرون في الاختلاط فرصة لمضايقة الاخر، أي ان تتعرض فتاة لأي تحرش او اعتداء او مجرد مضايقة لكونها فتاة. في مثل هذه الحالة تتم معالجة الامر على الفور بالوسائل المعدة لذلك لقطع دابر ظاهرة كهذه.
لقد زرت “العمري” مرتين منذ بداية شهر رمضان، ولم اسمع بأي حادث تحرش، كما لم اسمع بأن احدا تعرض للاعتداء او المضايقة سواء كان شابا أم فتاة، بالطبع هذا لا ينفي وقوع حوادث كهذه، ولكنها غير خارجة عن الاعتيادية التي تحدث سواء في “العمري” او في أي سوقٍ للخضار.
ثم ألا نخجل من التعامل مع شباب الطيبة على أنهم “حيوانات مفترسة” متأهبين لنهش لحم أي فريسة تقع امامهم؟ لقد خيب الشباب الطيباويون ظنون المشككين واظهروا من الوعي ما فاجأ الكثيرين ممن اعتبروهم متخلفين متهورين. لقد اثبت الشاب الطيباوي للجميع انه قادر على التصرف بطريقة راقية وان يحترم كل من حوله وحريص على ألا يمس مشاعر أحد سواء باللفظ او الحركة.
ما العمل… ليس كل من يرى فتاة في السوق تسول له نفسه بالسوء. بقيت قلة قليلة من الشواذ عن هذه القاعدة الاخلاقية ولا اظنهم يأتون ليتجولوا في السوق.
“طيبة ماركت” مجمع رمضاني يمكن قضاء بعض الوقت فيه بين الاكشاك التي تبيع مختلف السلع كما يمكن تناول الشراب الخفيف والالتقاء بالأصدقاء والاهل والاقارب. يمر عبر ساحات “طيبة ماركت” يوميا آلاف المواطنين الطيباويين من كبار وصغار، عائلات وافراد، والبهجة بادية على وجوه الجميع.
لا بأس في النقاش وابراز التباين في المواقف والآراء، فطالما بقي الاختلاف قائما بين ابناء البلد الواحد يبقى امرا صحيا على ألاّ يتحول الى خلاف. فلولا هذا التنوع لما سلكنا طريق البحث عن الافضل وعن الحقيقة سعيا نحو التقدم. لكل فكره وموقفه ومفاهيمه وليس له ان يفرضها على غيره، فقط لاعتقاده بأنه يمتلك الحقيقة المطلقة. هذا توجه مرفوض لأنه يقوم على استنتاج ليس له أثر على ارض الواقع.
وفي الخاتمة، اعتقد ان النداءات الى مقاطعة السوق خشية الاختلاط لا تستند الى أي اشكالية اخلاقية سببها الاختلاط، وانما هي محاولة لاسترداد زمام افلتت من ايدٍ تراخت امام مطلب الشارع. ومطلب الشارع يتجلى في استجابة الاعداد الكبيرة من اهالي الطيبة الذين يتوقون لمثل هذا المشروع منذ سنين. رمضان مبارك!