أنا لا أعتقد أن شخصية في تاريخنا الإسلامي من الرعيل الأول من الصحابة الذين تربوا على يدي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد نالها من التشويه والدس والافتراء والظلم ما نال معاوية بن أبي سفيان ـ رضي الله عنهما ـ سوى سيدنا عمرو بن العاص رضي الله عنه؛
حيث امتلأت معظم المصادر التاريخية بالكثير من الروايات الضعيفة أو المكذوبة على هذا الصحابي الكريم معاوية رضي الله عنهما؛ فكان لزامًا علينا الحديث والكتابة عنه، والذَّبُّ عن عرضه وفق المنهج الصحيح، فمعاوية ـ رضي الله عنه ـ أحد الصحابة الذين كَثُرَ الطعنُ فيهم، والافتراء عليهم والظلم والتشويه لهم، وربما يرجع ذلك إلى أن معاوية رضي الله عنه صِهْرُ ـ رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ وخال المسلمين وأمير المؤمنين، وكاتب وحي رب العالمين، فإذا طعن فيه أصبح من اليسر الطعن فيما سواه من صحابة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم . ينحدر نسب الصحابي الجليل معاوية بن أبى سفيان رضي الله من أسرة عريقة، وكان موُلده في سنة 603 للميلاد في مكة .
وهو: معاوية بن أبي سفيان، بن صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس، يكنى أبا عبد الرحمن.
وأمه : هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي رضي الله عنها.
لقد كان معاوية رضي الله عنه طويلاً أبيض الرأس واللحية، أصابته لُقوةٌ (اللّقوة: داء يصيب الوجه) في آخر حياته .
وقد وصفه أسلم مولى عمر رضي الله عنه : قَدِمَ علينا معاوية وهو أبيض الناس وأجملهم.
ولقد كان معاوية حليماً وقوراً، رئيساً سيداً في الناس، كريماً عادلاً شهماً.
قال المدائني: عن صالح بن كيسان قال: رأى بعض متفرسي العرب معاوية وهو صغير، فقال عنه : إني لأظن هذا الغلام سيسود قومه. فقالت هند- أم معاوية- ثكِلْتُهُ إن كان لا يسود إلا قومه .
إسلام معاوية بن أبى سفيان:
قيل: إنه أسلم قبل أبيه وقت عمرة القضاء سنة 7 هـ، وبقي يخاف من اللحاق بالنبي صلى الله عليه وسلم بسبب أبيه، ولكن ما ظهر إسلامه إلا يوم الفتح فيُروى عنه أنه قال: “لما كان عامُ الحديبية وصَدُّوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البيت، وكتبوا بينهم القضية وقع الإسلام في قلبي، فذكرت لأمي فقالت: إياك أن تخالف أباك، فأخفيتُ إسلامي، فوالله لقد رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية وإني مصدق به، ودخل مكة عام عمرة القضية وأنا مسلم، وعلم والدي أبو سفيان بإسلامي، فقال لي يومًا: لكنَّ أخاك خير منك، وهو على ديني، فقلت: لم آلُ نفسي خيرًا، وأظهرتُ إسلامي يوم الفتح، فرَّحَّبَ بي النبي صلى الله عليه وسلم وكتبتُ له. (سير أعلام النبلاء).
بيان فضائل ومناقب معاوية رضي الله عنه : أ) إن لهذا الصحابي الجليل منـزلة ومكانة عند أهل السنة والحق، وله قبل ذلك منـزلة عند رسول الله –صلى الله عليه وسلم- منها أنه صاحبه وصهره، ومنها أنه من كتاب وحيه المأمونين.
ب) لقد دعا له النبي -صلى الله عليه وسلم- دعوة عظيمة، فعن عبد الرحمن بن أبي عميرة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال لمعاوية: “اللهم اجعله هاديا مهديا وأهد به” ، أخرجه الإمام أحمد في “مسنده”. وعن العرباض بن سارية –رضي الله عنه- قال سمعت رسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: “اللهمَّ عَلِّمْ مُعَاوِيَةَ الْكِتَابَ وَالْحِسَابَ وَقِهِ الْعَذَابَ” ، أخرجه الإمام أحمد في “مسنده” .
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ خَالَتِهِ أُمِّ حَرَامٍ بِنْتِ مِلْحَانَ قَالَتْ: نَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمًا قَرِيبًا مِنِّي ثُمَّ اسْتَيْقَظَ يَتَبَسَّمُ فَقُلْتُ: مَا أَضْحَكَكَ؟ قَالَ: أُنَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ يَرْكَبُونَ هَذَا الْبَحْرَ الْأَخْضَرَ كَالْمُلُوكِ عَلَى الْأَسِرَّةِ، قَالَتْ: فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، فَدَعَا لَهَا، ثُمَّ نَامَ الثَّانِيَةَ فَفَعَلَ مِثْلَهَا، فَقَالَتْ مِثْلَ قَوْلِهَا، فَأَجَابَهَا مِثْلَهَا فَقَالَتْ: ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، فَقَالَ: أَنْتِ مِنْ الْأَوَّلِينَ، فَخَرَجَتْ مَعَ زَوْجِهَا عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ غَازِيًا أَوَّلَ مَا رَكِبَ الْمُسْلِمُونَ الْبَحْرَ مَعَ مُعَاوِيَةَ فَلَمَّا انْصَرَفُوا مِنْ غَزْوِهِمْ قَافِلِينَ فَنَزَلُوا الشَّأْمَ فَقُرِّبَتْ إِلَيْهَا دَابَّةٌ لِتَرْكَبَهَا فَصَرَعَتْهَا فَمَاتَتْ”، أخرجه البخاري في “صحيحه” ، ومسلم .
وسُئل عبد الله بن المبارك عن معاوية -رضي الله عنه- فقال: “ما أقول في رجل قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: سمع الله لمن حمده، فقال خلفه: ربنا ولك الحمد، فقيل له: أيهما أفضل ؟ هو أو عمر بن عبد العزيز ؟ فقال رسول الله : … معاوية خير وأفضل من عمر بن عبد العزيز” ، “تأريخ دمشق” ، و”البداية والنهاية” .
1- كان معاوية أحد كتاب الوحي، وكان يكتب رسائل النبي صلى الله عليه وسلم لرؤساء القبائل العربية.
2- شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنيناً، وأعطاه مائة من الإبل، وأربعين أوقية من ذهب وزنها بلال رضي الله عنه.
3- شهد اليمامة، ونقل بعض المؤرخين أن معاوية ممن ساهم في قتل مسيلمة الكذاب .
4- صَحِبَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى عنه أحاديث كثيرة، في الصحيحين وغيرهما من السنن والمسانيد. وقد روى عنه جماعة من الصحابة والتابعين.
ثناء الصحابة والتابعين عليه :
قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- بعد رجوعه من صفين: لا تكرهوا إمارة معاوية، والله لئن فقدتموه لكأني أنظر إلى الرؤوس تندرُ عن كواهلها.
وقال سعد بن أبي وقاص- رضي الله عنه-: ما رأيت أحداً بعد عثمان أقضى بحق من صاحب هذا الباب – يعني معاوية.
وقال ابن عباس – رضي الله عنهما : ما رأيت رجلاً أخْلَقَ للمُلك من معاوية، لم يكن بالضيِّق الحصر.
وقال ابن عمر رضي الله عنهما: علمتُ بما كان معاوية يغلب الناس، كان إذا طاروا وقع، وإذا وقعوا طار.
قال كعب بن مالك- رضي الله عنه : لن يملك أحدٌ هذه الأمة ما ملك معاوية.
وعن قبيصة عن جابر- رضي الله عنه- قال: صحبتُ معاوية فما رأيت رجلاً أثقل حلماً، ولا أبطل جهلاً، ولا أبعد أناةً منه. أسأله تعالى أن يجزل لكم الأجر والمثوبة على ذبكم عن عرض خال المؤمنين معاوية رضي الله عنه وعن أبيه وكذا عن دفاعكم عن صحيح الإمام مسلم رحمه الله .
أخوكم الشيخ الداعية ابو عكرمة الطيباوي