صعقت نصوص القران حين نزلت على اهل الشعر والفصاحة وأفذاذ النثر والبلاغة وقد عجز كل من ادعى ان القران من صنع البشر ان يؤلف نصاً شبيهاً بايات الذكر الحكيم .تبدلت الازمان ولم تعد صناعة اللغة شيئاً رئيسياً بل صار العلم لغة العصر واداة الفصل ،بدورها تطورت لغة الالحاد وساقت الادعاء بان القران الكريم لا يتلائم والعلم الحديث . من اجل فحص صحة هذا الادعاء او بطلانه ، ادعوكم الى الانضمام اليَّ في رحله قصيرة وخاطفة الى بعض المحطات الكونية مستعرضين آخر ما توصلت اليه النظريات العلمية ومصطحبين معنا النصوص القرآنيه ولنر كيف سيكون اللقاء بين القران الكريم والعلم الحديث ؟ هيا بنا ننطلق .
الجنين : قناتي فالوب عبارة عن قناتين عن يمين وشمال الرحم ،تصل كل قناه بين المبيض في الاعلى وبين الرحم في الاسفل . تتم داخل المبايض عملية انضاج البويضات وافرازها نحو الرحم، هناك يلتقي الحيوان المنوي والبويضة لتتكون بويضة مخصبة ( زيچوتا) بحجم قطيرة ماء، تبدأ الزيچوتا بسلسلة من الانقسامات والتضخم ، يصل عددها بعد مرور 3-4 ايام الى 16 خليه وتترتب بشكل عنقود صغير شبيه بثمرة توت الشجر ويطلق عليها اسم ( التوتية ) . تتوالى الانقسامات ما بين اليوم الرابع والخامس ليصل العدد الى 50-100 خلية، حينئذ تكون مجموعة الخلايا ( النطفة) قد وصلت الى تجويف الرحم، يتكون من داخل النطفة تجويف يسمى ( الكيسة الجذعية) تترتب في داخل ذلك الكيس وفي الجهة القريبة لبطانة الرحم حوالي 30 خليه ذات قدرة على التمايز والتخليق قسم منها سوف يتطور الى جنين والقسم الباقي سيبقى رصيداً مدخراً طوال العمر لترميم وتعويض ما يتلف من خلايا الأعضاء.
مع نهاية الاسبوع الاول ينغرس الجنين في البطانة الداخلية لجدار الرحم ويبدأ بالتغذي على دم الام خلال الاسبوع الثاني يبدأ تكّون المشيمة والأغشية الجنينية من الخلايا الخارجية للكيسة الجذعية ،يستمر تشكل المشيمه خلال الاسبوع الثالث وكذلك تتمايز خلايا الكتلة الداخلية الى ثلاث انواع من الاغشية منها ستتكون اعضاء الجسم وفي تلك الفترة يستطيل شكل الجنين فيصبح كعلقة البرك، مع الاسبوع الرابع تبدأ عملية تخليق الاعضاء يبدأ تخليق الدماغ والجهاز العصبي وتظهر بداية علامات الاعصاب الحسية (السمع البصر والشم )، تظهر على الجنين نتوءات ستنمو منها الاطراف ،كذلك يكتمل تخليق القلب ويبدأ بالخفقان ، ينمو ظهرالجنين ويتشكل بانحناء نحو جهة فراغ الرحم في نفس الفترة يكتسي العمود الفقري والدماغ بغشاء واقٍ لحفظه من الهزات والصدمات وتظهر على جسم الجنين انبعاجات ،تجاعيد، وأخاديد فيكون شكله حينها أشبه بمضغة طعام لاكتها الأسنان.
لنتوقف هنا ولننظر ماذا يقول الذكر الحكيم ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ) لاحظوا كيف كشف القران عن تطور الجنين مروراً بـ ( العلقة ) و( المضغة ) بل إن القران صرّح بأن المضغة تتخلق وبنفس الوقت تحتفظ بخلايا جذعيه ( غير مخلقه ) ليس هذا فحسب انظروا الايه (وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ ) لقدكشف القران عن حقيقة تكون اعصاب السمع والبصر قبل بداية تخليق القلب وقد ذكر ذلك في اية واحدة اشارةً الى ان كل من تلك الاعضاء يتخلق بنفس الفترة ،الاسبوع الرابع ،تأملوا هذه الاية (يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ) لقد صرح القران الكريم بأن الجنين يتطور داخل ثلاثة اغطية وهي البطن الرحم واغشية المشيمة، يا للعجب ! ان هذه المعلومات مكنونه في ايات الكتاب منذ اربعة عشر قرناً ! لنترك الجنين ينمو ولنقصد محطة اخرى .
الجبال :أشرف (جورج إڤرست )، في اواسط القرن التاسع عشر، على مشروع مسح لشبه القارة الهندية، ذلك من اجل رسم خارطة مفصلة، اثناء العمل تفاجأ هو وراسمي الخرائط بان مقدار قوة الجاذبية في السهول المحيطة بسلسلة جبال الهملايا كان أقل مما افترضته المعادلات الفيزيائية ومن جهه ثانيه كانت قوة الجذب اكبر من القيمة المفترضة في مناطق ساحل المحيط الهندي حيث لا جبال هناك .
بقي اللغز محيراً لعدة اشهر الى ان قدّم عالم الفلك ( بادل آيري) تفسيره العلمي مشيراً الى ان الفروق في قوى الجذب نتجت بسبب اختلاف الكثافات النوعية، تقل الكتلة النوعية للجبال عن تلك للقشرة الارضية، ذلك بسبب كون الجبال طافية داخل طبقة من السائل ، يحدث ذلك بسبب وجود جذور عميقة ومغروسة ما تحت قشرة الارض داخل طبقة الوشاح وطبقة الوشاح هي الطبقه الموجوده اسفل القشره الأرضية وهي حاره ولزجه وذات كثافه اعلى من كثافة قشرة الأرض ولذلك تطفو عليها قشرة كوكبنا المبنية من 7-8 صفائح كبيرة واخرى صغيرة تطفو صفائح القشرة الارضية، لكنها لا تهتز ولا تتأرجح مثل قطعة خشب طافية في المياه بل هي ثابتة بفضل انغراس جذور الجبال باعماق تصل الى 5-10 اضعاف ارتفاعها فوق سطح الارض ،يفسر قانون الاجسام الطافيه ( قاعدة ارخميدس ) آلية طفو الجبال وبروزها ؛ تدفع طبقة الوشاح السائلة الجبال الى اعلى بمقدار مساو لوزن السائل الذي ازاحته الجذور في الاسفل بهذه الطريقة تشمخ قمم الجبال وكلما كانت الجبال اكثر ارتفاعاًً كلما زاد عمق انغراسها في جوف الوشاح . تسمى هذه النظرية بـ (التوازن الثقلي ) isostasy وتعتبر من احد ركائز علم طبقات الارض. تأملوا كيف قرر القران بان الجبال اوتاد ! (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا ،وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا ) بل انتبهوا الى كلمة رواسي في الاية التاليه إشارةً الى ان الجبال راسية في طبقة سائلهة مثل السفن (وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم) لاحظوا كيف يعلل القران الكريم الفائدة من وجود الجبال ( ان تميد بكم ) ،تميد بمعنى تميل وتتأرجح ، هل يعقل ان يكون هذا كلام بشر ام هو تنزيلٌ من رب البشر !؟
اصل المياه على كوكب الارض : تشير اخر ابحاث علماء الفلك الكيمياء والجيولوجيا الى ان الكرة الارضية تزودت بالماء بنفس الوقت الذي كانت تتكون فيه وتتشكل ، كان ذلك تقريباً قبل 4.6 مليارد عام ،من المتفق عليه في علم الفلك ان مجموعتنا الشمسية قد ولدت من (غيمة السديم) وهي غيمة هائلة الضخامة، مكونة من غازات وايونات وتقدر أطوالها بالسنوات الضوئية ، بسبب حجمها الضخم وكثافتها المنخفضة تصل درجة حرارتها الى 260 تحت الصفر ( لا يشمل مناطق ولادة النجوم ) ،إضافة الى ولادة النجوم والكواكب تتكون في غيمة السديم كتل ضخمة من الصخور والجليد ويعتقد الباحثون انه في اثناء تكون الارض ارتطمت بها مذنبات ونيازك صخرية قادمة من الغيمة السديمة وغيوم ابعد منها وقد حملت تلك النيازك والمذنبات كتل جليديه ضخمة ثم انغرست عميقاً داخل طبقة (الوشاح ) ذاب الجليد في جوف الارض وخرجت كميات المياه الضخمة الى السطح بفضل الزلازل والبراكين نتج عن ذلك تكون المحيطات والبحار ،تكون الغلاف الجوي وابتداء دورة المياه في الطبيعة.
إقرأوا الايه الكريمه (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُون ) تأملوا عبارة، أسكناه في الارض ، لاحظوا كيف أفصح القرآن الكريم بثلاثة كلمات فقط عن إنزال الماء فتخزينه فحفظه في جوف الارض ! وأكثر من ذلك ،إقرأوا هذه الايات (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا * أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا * وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا * مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ) معنى كلمة (دَحَاهَا) بسطها ، تقول الايه انه تم بسط وتحريك الواح القشرة الارضية ( زلازل ) ليؤدي ذلك الى خروج الماء ثم أعقبه تكون الجبال من اجل ثبيت قشرة الارض والحفاظ على مصادر المياه وسائر مناحي الحياة، انها آيات قصيرة ذات ايقاع سريع لكنها تقرر حقائق علميةً استلزمت من العلماء جهوداً مضنية وأبحاثاً متضافرةً على مر عشرات السنين !
بداية الكون ونهايته : تشرح نظرية الانفجارالعظيم كيفية نشأة الكون بأن كل ما في الكون من مركّبات كان متكتلاً في نقطة متناهية الصغر ، قبل 13.8 مليارد عام حدث انفجار ادى الى انبثاق المادة الطاقة بدء الزمان والمكان ، استغرق 9.4 مليارد عام منذ الانفجار حتى ولدت الكرة الارضية قبل ذلك، كان الكون كله شيئاً واحداً متصلاً من غاز، ثم انقسم إلى سدائم وقد ولد عالمنا الشمسي من احدى تلك السدائم .
تأملوا كيف قبل قرون مضت ذكرت الايه الكريمة هذه الحقيقة ( أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوآ أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَآءِ كُلَّ شَىْءٍ حَىٍّ أَفَلا يُؤْمِنُون ). الرتق هو الشئ المتصل المتلاحم والفتق هي عملية الفصل والتفريق ، من الجدير ذكره ان الايه الكريمة تذكر ايضا ان الماء اساس كل شئ حي وهو بالضبط ما تبحث عنه (ناسا ) حين تحاول اسكتشاف حياة على كواكب اخرى.
وفقاً للقياسات الفلكية فان الكون آخذٌ في التمدد والتوسع وتبتعد المجرات بعضها عن بعض بتسارع مطرد ، هاكم ما قاله القران قبل اربعة عشر قرناً (وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) وانا لموسعون دلالة على استمرار التمدد !
تبع الانفجار ولادة القوى الكونية الاربع احداها قوة الجاذبية تؤكد المعادلات الرياضية انه لو حدث تغيير طفيف اقل بجزء من مليار المليارد في توزيع القوى الاربع لما امكن تشكل النجوم ولا الكواكب ،تتحدد مواقع الاجرام السماوية بحسب كتلها ومقدار قوى الجاذبية التي تمارسها وتمارَس عليها ، لقد ذكر النص القراني أن مواقع النجوم تدل على شئ بالغ الدقة والاهميه في ايماءةٍ لطيفةٍ الى قوة الجاذبية الخفية ، إقرأوا قوله عز وجل (فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ ،وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ) ، هل هذه صدفهة ام أن العلم والقران يتناغمان !؟
لم يصل علماء الفلك بعد الى قرار قاطع حول كيفية نهاية الكون لكن آخر المعطيات تشير الى ان الكون يتمدد بصورة مسطحة في كل الاتجاهات ويفترض العلماء ان الكون سيستمر بالتمدد الى حد تتغلب فيه قوة الجاذبية على التمدد حينئذ سينهار الكون على نفسه ويتكتل مرة ثانية في نقطة واحدة كما كان في البداية، تسمى هذه النظريه بنظرية ( الانسحاق العظيم) .
لقد كشف لنا رب العزة عن كيفية بداية الكون ونهايته بقوله ( يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ ) يا للروعة ، يخبرنا القران الكريم بان اول الخلق حدث عن طريق تمدد وتوسع مسطح ، مثل كتاب مفتوح ، وان نهاية الكون ستكون بطريقة معاكسة سينطوي الكون على بعضه ثم يعود نقطةً واحدة !.
لقد قمنا برحلة خاطفه وسريعة في ارجاء الكون ، ورأينا ان نصوص القران الكريم قد سبقت احدث النظريات العلمية قبل دهور خلت ، وما برحت ايات الكتاب الحكيم الا وهي زاخرة بالمفاجئات والاشارات ، لقد طبعت فينا هذه الرحلة القصيرة الذهول والانبهار ، وسكبت في قلوبنا عميق الفخر والامتنان ، ذلك لأننا ننتمي لهذا الدين ونؤمن بهذا القران ، تترقرق فينا الدموع ونحن نتدبر قول الحق في خشوع (الم ،ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ،الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ، وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ,أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) اللهم إجعلنا منهم ،اللهم آمين .