في هذا التقرير المعد من جزئين، تتناول المستشارة التربوية احلام جمعة، من مدينة الطيبة، مفهوم العنف وتعريفه، كذلك تتطرق الى مسبباته، وسبل التقليل منه.
في الجزء الاول الذي نعرضه الان بين يديكم تتحدث المستشارة التربوية احلام جمعة عن تعريف مفهوم العنف ومسبباته، وفي الجزء الثاني الذي ننشره لاحقا تطرق الى الحلول للتقليل من العنف ومواجهته!.
تعريف العنف:
مفهوم العنف يتم تحديده بناءً على طبيعة المجتمع والزمن الذي يحدث فيه ووفقا للثقافة السائدة والعوامل الاقتصادية والقيم الاجتماعية والاخلاقية للمجتمع.
يمكننا ان نعرف العنف بانه كل سلوك يمارس من قبل فرد او جماعة ضد فرد او افراد اخرين، ويرافقه قوة والحاق الاذى، ويظهر على اشكال مختلفة:
1. العنف الجسدي: وهو الايذاء الجسدي على انواعه مثل الضرب، العض، اللسع، الدفع اطلاق المفرقعات واستخدام الاسلحة والقتل المتعمد وغيرها.
2. العنف اللفظي: استخدام عبارات تحقير واهانة، تصغير شان الاخرين، سخرية، تهديد، صراخ وغيرها.
3. العنف المعنوي: اهمال، تجاهل مشاعر الاخرين، سلب حقوق الاخرين غير المادية، اكراه واجبار الغير على فعل ما لا يريدون، ابتزاز عاطفي، تدمير علاقات بين الناس وافشاء الفساد والفتنة بينهم، تمييز بالتعامل مع الاخرين او التحريض ضدهم، اجبار الاخرين على اعتناق افكار غيرهم وحرمانهم التعبير عن رايهم ومشاعرهم او التاثير عليهم بشكل غير مباشر لاخضاعهم لاهداف مخفية، حرمان الاخرين من تلبية احتياجاتهم الاساسية وغيرها.
4. العنف ضد الممتلكات: تخريب وتدمير او سلب ممتلكات الاخرين (ممتلكات عامة او خاصة)، تلويث البيئة، تبديد اموال وموارد عامة وغيرها.
5. العنف الموجه نحو الذات: اللوم الشديد للذات دون مبرر، ايذاء الذات جسديا كالتجريح او المخاطرة بسلوكيات مؤذية للجسد مثل السياقة بسرعة عالية او القفز من اماكن عالية، اهمال الصحة والعلاج عند الضرورة، محاولة الانتحار وغيرها.
6. العنف الجنسي: كل سلوك ذو طابع جنسي ويشمل استخدام الفاظ او كلمات، حركات او ايماءات او تلميحات، كتابة تعابير لها معنى جنسي، نشر وكشف صور او اعضاء من الجسم، اعتداء جنسي واغتصاب.
7. العنف المؤسسي: تعيين رئيس مؤسسة غير كفؤ بحيث يقوم بتنفيذ اوامر من هم اعلى منه منصبا، ويستخدم صلاحياته لخدمة مصالحه الذاتية ويسيئ لمن لا يخضع من موظفيها لاوامره المتعسفة والمرتجلة، من خلال عنف لفظي واداري ومالي ضدهم، وتكون ضحاياه من الموظفين الاكفاء والمؤهلين ومستشاريه من المنتفعين غير المؤهلين مهنيا ومؤسسيا.
8. عنف الدولة: استخدام الحكومة للعنف المشروع تجاه مواطنيها لحماية امنها واستمرار بقائها. يعتبر العنف مشروعا إذا سخر لصالح تطبيق القانون، وحماية المواطنين وتاسيس اللاعنف، ولا يكون مشروعا اذا ما استخدم لقمع المواطنين او المعارضين او الاقليات. من اشكال عنف، عنف جسدي ولفظي كالتحريض للعنف وغيره، اضطهاد،تمييز عنصري، تطبيق غير عادل للقانون، حروب استعمارية وغيرها.
ما الذي يميز شخصية الشخص العنيف؟
الشخص العنيف لديه صعوبات في التواصل مع الاخرين، لا مبالي تجاه معاناة الاخرين، لديه رغبه في ايذاء الاخرين، يتعاطف مع المعتدي، يلصق وصمات على الاخرين لاعطاء شرعية لايذائهم، يهدد الحيز الشخصي للاخرين ولمكانتهم ولمركزهم، يعمل ضغط اجتماعي لاجبار الاخرين على طاعته والخضوع له.
ما هي مسببات العنف؟
اذا رجعنا الى تاريخ المجتمعات الانسانية في جميع مراحلها، نجد انها لم تخل في اي مرحلة من العنف. اذا هل يمكن القول ان العنف هو طبيعة بشرية وبنية جينية وراثية لا يمكن التغلب عليها؟
الاجابة هي كلا، للعنف توجد دوافع شخصية ومجتمعية تدفع الفرد او المجموعة لتحقيق اهداف او مصالح معينة وهي مرتبطة بالوجود الاجتماعي وليس البيولوجي. نظريات علم النفس تفسر العنف بانه سلوك مكتسب كاي سلوك اخر، ويرتبط وجوده بنماذج سلوكية تمارس العنف في البيئة المحيطة للفرد. البعض يصفون السلوك العنيف كاداة او وسيلة يستخدمها الفرد او الجماعة للحصول على هدف خارجي او داخلي هام لهم، عند النجاح بالحصول على هذا الهدف، يعزز السلوك العنيف ويذوت كطابع سلوكي مسيطر لدى الشخص في المستقبل.
هناك العديد من الاسباب التي يمكنها ان تؤدي الى التصرف العنيف لدى الافراد والجماعات منها:
اسباب شخصية: مثل ضعف الثقة بالذات، تقدير ذاتي متدني، شعور بالاحباط وعدم القدرة على مواجهة المشكلات وعلى بناء علاقات اجتماعية سليمة، عدم القدرة على التعبير عن النفس والمشاعر، نزعة السيطرة على الغير، عدم القدرة على التحكم بالغضب والدوافع العدوانية، نقص في تلبية الاحتياجات الجسدية والعاطفية الاساسية مثل الحب والحنان، تعرض مستمر للعنف، نقص تعليمي وثقافي، مركز اجتماعي واقتصادي متدني، شعور بالظلم وعدم المساواة اجتماعيا واقتصاديا، قلق حول المستقبل والحالة المادية، محاولة بناء صورة ذاتية تمثل القوة والسيطرة لتتلائم مع البيئة المحيطة، ادمان على المخدرات والكحول، ضعف الوازع الديني، كل ذلك قد يؤدي الى الاتجاه نحو السلوك العنيف.
اسباب عائلية: التفكك الاسري نتيجة خلافات وصراعات بين الوالدين او نتيجة استخدام اساليب تربية غير امنة مثل القسوة الزائدة او التدليل الزائد او الاهمال، عدم متابعة تربية الابناء، وظروف مادية واجتماعية واقتصادية صعبة.
اسباب اجتماعية: وجود وقت فراغ كبير وعدم استثماره، انعدام اطر عامة وخاصة تسد الاحتياجات، فقدان الضوابط والقوانين الاجتماعية، انتشار سلوكيات لا مبالية وعنيفة واستخدام لغة القوة كقيم سائدة لحصول الافراد على مبتغاهم، تاثير مجموعة الاقران والضغط الجماعي لتجنب الشعور بالرفض، انتشار افات اجتماعية مثل الفقر، المخدرات والكحول، العنصرية، ترخيص غير سليم للاسلحة الشخصية، انعدام فرص العمل والبطالة، عدم الاستثمار الكافي في المدارس وفي تنمية الاسرة.
اسباب مدرسية: غياب القدوة الحسنة واستخدام المعلمين اسلوب العنف والتوبيخ واللوم المستمر مع الطلاب، غياب التوجيه والارشاد وعدم الاهتمام بمشكلات الطلاب وعدم دعمهم عاطفيا وتعليميا، ضعف النظم والقوانين المدرسية الرادعة، عدم توفر النشاطات الكافية والملائمة لاحتياجات الطلاب في المدرسة، وزيادة كثافة الطلاب في الصفوف.
اسباب اسرية: الضغوط الاقتصادية للاسرة مع التغير في البنية العائلية وازدياد حالات الطلاق وخروج كلا الوالدين للعمل يبقي الابناء دون رقابة وارشاد في مراحل تطورهم المختلفة. الابحاث تشير ايضا الى تاثير انماط سلوكية معينه في الاسرة على العنف عند الابناء، كاتباع الاباء اسلوب التدليل الزائد او القسوة الزائدة، عدم متابعة تربويه لسلوك الابناء، استعمال العنف الجسدي كوسيلة تربية وعقاب، علاقة غير سليمة بالابناء، عدم اهتمام وعدم توفير الوقت والدعم العاطفي والحنان للابناء.
تاثير وسائل الاعلام: المضامين الاعلامية المقدمة عن طريق التلفاز او السينما او الانترنت او حتى الالعاب الالكترونية الترفيهية وافلام الكرتون المخصصه للاطفال، تحوي على الكثير من مشاهد العنف بكل اشكاله، اذ يتعرض الطفل في مراحل نشاته الى جرعة كبيرة من مشاهد العنف التي تعتمد على الحرب والقتل والدماء وتعرض خططا حربية واساليبا عنيفة لا يشاهدها في محيط اسرته او مدرسته. تكرار المشاهدة يؤدي الى اثارة نزعة العنف والعدائية في شخصية الطفل او المراهق والى تذويت العنف كسلوك طبيعي للرد على بعض المواقف. كذلك، الاعلام يكشف الطفل او المراهق لابطال ولنماذج سنيمائية ذات ثقافة وحضارة متناقضة عن تلك التي تربى عليها، وهي تصور المجرمين كانهم يقومون باعمال بطولية خارقة، وهكذا يفهم الطفل ان العنف يميز الابطال فيشجعه ذلك على اتخاذهم قدوة له، فينجذب اليهم محاولا تقليدهم، وبشكل لا شعوري يبدي سلوكا عنيفا تجاه أصدقائه وأسرته، وإذا وجد منهم تدعيماً، يصبح نمط سلوكه عنيفاً وعدوانياً. في الاجيال المتقدمة، تؤثر وسائل الاعلام في انتشار الجريمه وتقليد السلوك العنيف لانها تعلم الافراد اساليب جديدة ومبتكرة لارتكاب الجرائم.
من جهة اخرى، عندما تظهر الشخصيات السياسية والقيادات التي تمثل المجتمع على وسائل الاعلام، تعطي شرعية للعنف من خلال تصريحات محرضة على العنف ضد الاقليات وضد شخصيات سياسية اخرى ومن خلال طريقة النقاش والحوار التلفزيوني الذي يتخلله الكثير من مظاهر العنف اللفظي والصراخ والمقاطعة، ومن خلال الصراع الذي نراه في الجلسات البرلمانية وغيرها. هذا وبالاضافة الى ما نشهده يوميا من مشاهد القتل او القمع والاعتداءات ضد الفئات الضعيفة وسيطرة القوي على الضعيف في جميع مناحي الحياة وضعف الرادع القانوني وعدم تطبيق القانون بشكل عادل، يعلم الفرد ان العنف هو وسيلة شرعية بل الوحيدة لكي يصل الى ما يريده.