كان من المفروض أن تشكل جريمة اشعال حريق في المسجد الاقصى المبارك في العام 1969 حالة فلسطينية، عربية واسلامية لبلورة مفهوم مشترك لقضية المسجد الاقصى المبارك والقدس والشريف والمخاطر التي تتهددهما.
وكان من المفروض – في العام 1969 – ان يبدأ العرب والمسلمون في بناء استراتيجية واضحة لمواجهة النار التي بدأت تشتعل في المسجد الاقصى المبارك، في ذلك الحين، واخمادها وهي في مهدها.
وكان من المفروض ان يفهم العرب – وخاصة الانظمة الرسمية – مركزية المسجد الاقصى المبارك في السياسة الدولية، وخاصة سياسة الويلات المتحدة الامريكية، بدلاً من التعويل على سياسات فاشلة اوصلت القدس والمسجد الاقصى المبارك الى حالة من الاشتعال المستمر والانتهاك المتواصل لحقوق المسلمين، وخاصة الفلسطينيين منهم، لا لسبب الا لأنهم هم الذين ما زالوا يذكرون العالم ان القدس والمسجد الاقصى المبارك ما زالا يقبعان تحت الاحتلال الاسرائيلي.
لم يكن المجرم مايكل دينيس روهان، الاسترالي الجنسية، الذي أقدم على حرق المسجد الاقصى المبارك، يعمل لوحده، ولو لم يتلقى الدعم اللوجستي من قوات الاحتلال او من عناصره المختلفة لما استطاع ان ينفذ هذه الجريمة. قوات الاحتلال في ذلك الحين ماطلت في توفير خدمات الاطفائية لإخماد الحريق، واعطت المجرم التغطية القانونية الكاملة لضمان تهربه من العقاب كما قامت بقطع المياه عن المنطقة المحيطة بالمسجد في نفس يوم الحريق، وتعمَّدت سيارات الإطفاء التابعة لبلدية القدس العبرية التأخير؛ حتى لا تشارك في إطفاء الحريق، بل جاءت سيارات الإطفاء العربية من الخليل ورام الله قبلها وساهمت في إطفاء الحريق، في المقابل عمت المظاهرات العالم العربي على هذه الجريمة، غضت الانظمة العربية في سبات عميق بل حاولت ان تحجب الرؤية عن الشارع العربي عن هذه الجريمة، وهب المقدسيون بصدورهم العارية وقدراتهم الذاتية واقاموا سلسله بشريه لنقل المياه لإخماد النيران، وفعلا استطاعوا وقف الحريق. ولولا لطف الله سبحانه وتعالى لأتت النيران على كامل المسجد القبلي.
كان ذلك امتحان لقدرة المقدسيين والعرب على مواجهه سياسات الاحتلال في المسجد الاقصى المبارك، واشتعلت مع النيران جذوة المسجد الاقصى في قلوب المقدسيين، وبدأت تتبلور معالم المرحلة المقبلة.
لم يتوانى الاحتلال، في كل فترة احتلاله للقدس والمسجد الاقصى المبارك، في جس نبض الشارع العربي والاسلامي والفلسطيني من قضية القدس والمسجد الاقصى، وكانت سياساته تتسم بالمنهجية في لفت انظار الشارع الفلسطيني، العربي والاسلامي عن المسجد الاقصى المبارك، وقد ساهمت الانظمة الرسمية في ذلك من خلال تنفيذ سياسات التغريب عن قضية القدس والمسجد الاقصى المبارك، والامثلة على ذلك كثيرة.
للتذكير فقط، كان من تداعيات هذه الجريمة إنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي والتي تضم في عضويتها جميع الدول الإسلامية، وبما انه مرَ على انشاء هذه المنظمة ايضاً 47 عام، كان من المفروض ان نرى نتائج هذه المنظمة في الفعل على ارض الواقع في حماية القدس والمسجد الاقصى، في ظل هذا الواقع الذي وصل اليه المسجد الاقصى وبعد 47 عام يحق لنا نسأل ما الذي انجز؟ وكيف تقدم المشروع الصهيوني في حين تراجع دور المنظمة في حماية القدس والمسجد الاقصى؟.
الانظمة الرسمية العربية منها والاسلامية كانت تتصرف، في أحسن الحالات، كمؤسسات خيريه أكثر منه عمل منظم لإنهاء الاحتلال او حماية المسجد الاقصى من التهويد، بل وذهب بعض الأنظمة الى ابعد من ذلك، الى ملاحقة ومحاكمة العاملين لقضية القدس والمسجد الاقصى؟
ما يقوم به الاحتلال الاسرائيلي في القدس والمسجد الاقصى المبارك هو تنفيذ لأجندته الواضحة والمكشوفة كونه قوة احتلال يحمل مشروع ايديولوجي يلتقي مع مشروع ايديولوجي آخر على المسجد الاقصى يتعلقان بمفهومهما لأحداث آخر الزمان، ويعمل الاحتلال ضمن هذه الأجندة. اما ما يفطر القلب ويدمي العين السلوك العربي الهزيل الذي يبعث على الخذلان والركون الى الوعود العرقوبيه سواءً للاحتلال الاسرائيلي او للنظام الصهيوني العالمي. نعلم الى اين يريد ان يصل الإحتلال بالقدس وبالمسجد الاقصى المبارك، وهو بالمناسبة أصبح يصرح بذلك على الملأ ولم يعد شيئاً بحاجة الى توضيح، انما الذين ما زالوا يحلمون ان يمن عليهم المشروع الصهيوني العالمي بدور – اياً كان – في الاقصى المبارك هم الذين يجب عليهم ان يستيقظوا قبل فوات الاوان، نعم ان الظرف الاقليمي صعب، وصعب جداً، ولكن هل يعقل ان تتم المقايضة بقضية المسجد الاقصى المبارك بحجة الظرف الاقليمي او بحجة الحماية؟.
نعلم في المقابل ان عاطفة الشارع العربي والاسلامي للقدس هي عاطفة متدفقة وقوية. ولكن؛ لماذا لا يتم استثمار هذه العاطفة نحو المسجد الاقصى المبارك؟ وأكثر من ذلك؛ لماذا يتم كبت هذا العاطفة؟ ولمصلحة من؟ ثم يحق لنا ايضاً ان نتساءل، من المسؤول عن تحييد الارادة الشعبية الفلسطينية، العربية والاسلامية الداعمة والتواقَة للمسجد الاقصى المبارك؟.
المسجد الاقصى المبارك موجود الآن في عين العاصفة، تحت الخطر الشديد، ولا يخفى على أحد ما يتعرض له، خصوصاً في هذه الايام، من فرض لواقع جديد وتعميق للتهويد، وفرض رواية مزيفه على الراي العام العالمي، العربي والاسلامي، ولا يخفى على أحد ما يطمح اليه الاحتلال، كل ذلك تحت سمع العالم وبصره وبالبث الحي والمباشر.
اذاً؛ اين الفعل الفلسطيني؟ اين الفعل العربي؟ اين الفعل الاسلامي؟